النشرة البريدية من جريدة الطبيب
سجل بريدك هنا ليصلك جديد الأخبار من جريدة الطبيب
د. أحمد زاهر يكتب: بلد العجائب .. عندما يصبح المهندس الزراعى أخصائى تحاليل طبية؟!
الأحد 18 ذو القعدة 1437 هـ - الاحد 21 أغسطس 2016 م      08:32:15 PM

للأسف عنوان المقال ليس طرفة أو نكتة وإنما هو أمر واقع ، وللأسف بلد العجائب ليست دولة صغيرة أو أحد جزر المحيط الهندى أو بحر الكاريبى وإنما بلد العجائب هنا المقصود بها مصر بعظمتها وتاريخها.

هل تعلم عزيزى القارئ أن القانون المنظم لمعامل التحاليل الطبية فى مصر حاليا ( قانون رقم 376 لسنة 1954) يسمح لخريج كلية الزراعة أن يفتح معمل تحاليل طبية ويقوم بإجراء التحاليل الطبية للبشر بهدف تشخيص الأمراض؟!

لك أن تتخيل ماهى عواقب ذلك، وقد حكى لى أحد الأشخاص موقف حدث لوالدته المصابة بمرض السكر والتى تعالج بالأنسولين، حيث ذهبت لمعمل تحاليل فتح حديثا فى الشارع الذى تقيم فيه لإجراء تحليل سكر وقد اخبرها الشخص الموجود فى المعمل بأنه يجب أن تأتى للمعمل لسحب العينة بدون أخذ الانسولين فى اليوم السابق للتحليل.

وبالفعل ذهبت له فى اليوم التالى لإجراء التحليل بدون أخذ الانسولين وبالتالي أظهرت نتيجة التحليل ارتفاع شديد فى مستوى السكر، وعلى هذا الأساس قرر طبيب الأمراض الباطنة المتابع لحالتها زيادة جرعة الانسولين مما أدى إلى إصابتها بغيبوبة نقص السكر فى الدم، وكادت ان تفقد المريضة حياتها بسبب جهل هذا الشخص.

وكلمة جهل لا أقصد بها أى إساءة أو اهانة لأنه بالفعل خريج كلية الزراعة جاهل بالطب وجاهل بالأمراض التى تصيب الإنسان وجاهل بالمعلومات الإكلينيكية التى يدرسها الأطباء فى كلية الطب والتى يحتاجها طبيب المعمل و الجهل بهذه الامور لايعيب خريج كلية الزراعة ، وكذلك عندما نصف طبيب بأنه جاهل بالأمراض التى تصيب النبات فهذا ليس فيه اى إساءة او اهانة للطبيب.

ولكن يبقى السؤال ما الذى دفع المشرع إلى هذا عند صياغة القانون سنة 1954؟
بحثت فى هذا الأمر واكتشفت أن السبب هو رغبة ثورة يوليو فى تمصير الكثير من المهن، وكانت معامل التحاليل الطبية فى هذا الوقت تسيطر عليها جالية أجنبية تسمى الأرمن، وكان لهم الكثير من المعامل فى مصر مثل معامل انديان ومندوفيان فى القاهرة ومعامل كشيشيان وليفون فى الإسكندرية.

وفى هذا الوقت كان عدد الأطباء المصريين قليلا وكان عدد أطباء التحاليل الطبية المصريين قليلا جدا أو شبه منعدم مما دفع المشرع الى الاعتماد على غير الأطباء من خريجى الكليات الأخرى مثل الزراعة والطب البيطرى والصيدلة والعلوم لمجرد أنهم درسوا كيمياء حيوية أو ميكروبيولوجى !.

وفى الحقيقة تمصير المهن فى حد ذاته هدف نبيل وعظيم ولكنه تم بطريقة غريبة جدا حيث سمح لأشخاص غير مؤهلين علميا لتشخيص الأمراض بالعمل فى معامل تهدف الى تشخيص الأمراض لمجرد أنهم مصريين! ولكنها السياسة عندما تتدخل فى العلم والطب.

وحتى إن كان هدف المشرع هو تمصير المهنة بهذه الطريقة فى ذلك الوقت ولكن الطب فى عام 1954 يختلف تماما عن الطب حاليا وتخصص التحاليل الطبية بالذات حدثت فيه طفرة كبيرة جدا وتقدم علمى هائل وتم استحداث تخصصات فرعية دقيقة داخل تخصص التحاليل الطبية مما يدفعنا الى إصدار قانون جديد ينظم هذا الأمر طبقا لقوانين الدول المتقدمة وذلك حرصا على صحة المصريين.

حتى فى عام فى عام 1954 وقت صدور هذا القانون استشعر المشرع خطورة هذا الوضع وحاول تدارك الامر بعدها بشهور قليلة وحاول اشتراط وجود طبيب بشرى فى اى معمل تحاليل طبية وذلك عند صياغة القانون رقم 415 لسنة 1954 وهو القانون المنظم لمزاولة مهنة الطب فى مصر حتى الآن ، حيث نص المشرع فى المادة رقم 1 من هذا القانون على انه لا يجوز لأحد أخذ عينة من العينات من جسم المرضى الآدميين للتشخيص الطبي المعملي بأية طريقة الا لمن كان حاصلا على درجة بكالوريوس في الطب والجراحة.

وبذلك تتعارض هذه المادة مع ما ورد فى القانون رقم 367 لسنة 1954, وهذا التضارب بين القانونين ادى الى تضارب الاحكام القضائية الصادرة من محاكم مختلفة طوال هذه السنوات الى ان حسم هذا الامر الحكم التاريخى الصادر من المحكمة الادارية العليا – دارة توحيد المبادئ بتاريخ 7/5/2016 حيث حكمت المحكمة بان الترخيص باجراء التحاليل الطبية لعينات جسم الانسان مقصور على الاطباء البشريين, ولكن ما زالت وزارة الصحة فى بلد العجائب تمنح التراخيص لغير الاطباء من خريجى كليات الزراعة والصيدلة والعلوم والطب بيطرى وتتجاهل تماما حكم المحكمة الادارية العليا وتدعى انها تستند الى القانون 376 لسنة 1954؟

وأرى ان الحل الجذرى لهذا الامر هو قانون جديد ينظم معامل التحاليل الطبية فى مصر يحتوى على توصيف وظيفى لفريق العمل فى المعمل وبالفعل قامت نقابة الأطباء باعداد مشروع قانون جديد لتنظيم معامل التحاليل الطبية التشخيصية بمساعدة رابطة أطباء الباثولوجيا الاكلينيكية, وتقدمت به النقابة إلى لجنة الإصلاح التشريعى قبل انتخاب مجلس النواب الحالى والتى بدورها أحالته إلى مجلس النواب بعد انتخابه ومازال فى الادراج ولا حياة لمن تنادى وكأن صحة المواطنين ليست من اولويات هذا المجلس.  

وفى نهاية مقالى أريد أن أوجه نداء إلى أعضاء مجلس النواب  و مسئولى وزارة الصحة و أقول لهم اتقوا الله، فأنتم مسئولون عن صحة المصريين وعليكم سرعة إجراء إصلاح تشريعى فى القانون المنظم لمعامل التحاليل الطبية فى مصر,وعلى مسئولى وزارة الصحة تنفيذ احكام القضاء لحين صدور قانون جديد، و أوجه نداء آخر إلى المريض المصرى و أقول له عليك أن تتأكد من شخصية من يعمل فى معمل التحاليل هل هو مهندس زراعى أم طبيب بيطرى أم كيميائى أم صيدلى أم طبيب بشرى ؟ لا تتعجبوا فهذا ليس على سبيل المزاح ولكنه أمر واقع موجود فى القانون منذ عام 1954 حتى الآن ،  لا تتعجبوا نحن فى بلد العجائب.

أضف تعليق
: الإســـــــــــــــــــم
: عنــــوان التعليق
: البريد الالكترونى
: التعليــــــــــــــــق
عدد التعليقات : 2
التعليقات
1 - رد علي السخافة
2016-08-25 04:48:02
المهندس الزراعي يعمل في التحاليل وهو نظام متبع ومتعارف علية في الاتحاد الاوروبي و امريكا
المهندس محمد
2 - معاك حق
2016-08-22 16:57:59
بس عل الكل فلا الكميائى اهل للمهنة من حيث المعلومات الاكلينيكية الطبية ولا الصيادلة ولا البطيرين ثانيا عمرك شوفت معمل من المعامل الكبيرة ولا الصغيرة مترخص لبشرى وشغال بايده ولا شهادة محطوطة عل الحيط انصف يرحمكم الله
حسنين رشوان
الأكثر قراءة
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
إعلانات مبوبة
الإيجارات
الوظائف
السيارات
عقار

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الطبيب الألكترونية 2012
تصميم وبرمجة مؤسسة الطبيب للصحافة والنشر