تعود الناس على تناقل الكثير من المفاهيم والمعتقدات الخاطئة حول النواحي الوقائية والعلاجية للكثير من الأمراض التي تعتري الجسم بشكل عام والتي تصيب العين والإبصار بشكل خاص، لذلك انتشرت العديد من الأوهام لدى بعض الناس حول العين والرؤية، ونسج الناس حولها الكثير من الأوهام وأنصاف الحقائق.
وإليك بعضا من المعتقدات الشائعة حول العين والرؤية والوجهة الطبية والعلمية الصحيحة حول ذلك المعتقد:
(1) لبس النظارة الطبية والمداومة عليها يضعف النظر تدريجياً:
إن لبس النظارات الطبية أو العدسات اللاصقة للأشخاص المصابين بقصر أو بعد في النظر أمر ضروري لكي يتمكنوا من الرؤية الصافية الجيدة وإن هم حرموا أنفسهم من التمتع بالنظر الجيد عند لبس النظارة أو العدسة اللاصقة بحجة أن لبس النظارة يضعف البصر فهذا غير صحيح، إذ أن هذا الاعتقاد ناتج عن ملاحظة أن من يرتدي النظارة لو أبعدها عن عينيه فلن تكون الرؤية كما لو كانت قبل ارتدائها في السابق وذلك بالطبع ناتج عن الأسباب التالية:
• أن العين تتأقلم مع النظارة وتحتاج إلى فترة من الزمن حتى تتكيف مع الوضع الجديد بعد إزالتها عنها، ومن ثم يعود نفس النظر السابق قبل لبس النظارة بالكلية.
• في كثير من الأحيان يحتاج من يستخدم النظارة إلى تغيير قوة العدسة بعد فترات قد تكون متقاربة عند بعض الأشخاص وهذا التغير في النظر قد يحصل سواء استعمل ذلك الشخص نظارة طبية أو لم يستعملها.
• إن من يحتاج إلى النظارة الطبية ويرى بها الأشياء بوضوح وصفاء تام يتعود على ذلك الوضع الجيد من صفاء النظر ووضوحه، بينما تكون الرؤية سيئة عند خلع النظارة وذلك ناتج عن التحسن الكبير في الرؤية.
(2) ارتداء النظارة الطبية للكبار يحافظ على النظر من الضعف:
النظارة الطبية أو العدسات اللاصقة ما هي إلا وسيلة بصرية للمساعدة على رؤية واضحة جلية حيث تصحح العيوب الانكسارية الموجودة في العين، ولكن عدم استخدام النظارة الطبية في بعض الأوقات لا يؤدي لازدياد الضعف في النظر. لكن عند الأطفال الذين تقل أعمارهم عن السبع سنوات إذا كان أحدهم يعاني من طول نظر واحتاج إلى نظارة طبية أو عدسات لاصقة فإن استخدام النظارة ضروري جداً حتى تعطي رؤية واضحة مركزة للعين وبالتالي تنمو قوة الإبصار بصورة طبيعية ولا يحصل كسل للعين. لذلك نستطيع أن نقول أن لبس النظارة الطبية عند الأطفال يحافظ على النظر من الضعف أما لدى الكبار فإن عدم لبس النظارة والمداومة عليها لا يؤدي إلى نقص تدريجي في النظر.
(3) استخدام الكمبيوتر لفترات طويلة يضر بالعينين:
لقد عمت استخدامات الكمبيوتر كل مكان وأصبح المشتغلون به يتخوفون من مخاطر شاشات الكمبيوتر على أعينهم، لكن نستطيع أن ننصح بالاستخدام الصحيح للكمبيوتر وعدم إنهاك العينين بالجلوس أمام الشاشة ساعات طويلة وبتركيز شديد حيث يحصل نتيجة ذلك الانشغال وقلة رمش العين وبالتالي عدم توزع الطبقة الدمعية بانتظام، بعدها يحس الشخص بحرارة في عينيه واحمرار طفيف أو دموع ناتجة عن التعب والإرهاق الذي حصل في عينيه، لذلك فإن استخدام الكمبيوتر بالوضع الصحيح لا يضر بالعينين. كما ينصح بأن تكون شاشة الكمبيوتر على مستوى أقل من مستوى العين بحوالي 60 درجة حتى لا ترهق العين أو عضلات الرقبة.
(4) الجلوس الطويل أمام شاشة الكمبيوتر يتلف البصر:
أكدت دراسة بريطانية نشرت في صحيفة الغارديان أن البريطانيين يمضون 130 ألف ساعة بالمعدل الوسطي أمام شاشات التلفزيون أو أمام شاشات الكمبيوتر، ويمضي الإنسان البالغ أمام الكومبيوتر 35 ساعة أسبوعيا بالمعدل الوسطي.
ويشتكي %60 من مستخدمي الكمبيوتر من آلام حادة في الرأس، فيما يشعر 53 % بالتعب في عيونهم.
ومن المؤكد أن الكثيرين سمعوا أن الجلوس لفترة طويلة أمام الكمبيوتر يتلف النظر، الأمر الذي لا يعتبر صحيحا سوى بشكل نسبي.
عندما ينظر الإنسان نحو شاشة الكمبيوتر يرف جفناه 3 مرات أقل من الإنسان العادي الذي لا ينظر اليها، والذي عادة يحرك جفنيه 16الى 20 مرة خلال الدقيقة أما خلال النظر إلى نحو الشاشة فيرف جفناه 6 الى7 مرات فقط، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالجفاف في العينين وإلى تهيجهما، وظهور إشكالات في تركيز الرؤية.
كما تظهر أيضا آلام في الرأس وفي عضلات الرقبة، والإحساس بالتعب والدوار، الأمر الذي يطلق عليه الأطباء مصطلح "أعراض الرؤية الكمبيوترية".
غير أنه لا يتوجب عليكم الخوف بالمقابل بأن يؤدي النظر المتكرر إلى الكمبيوتر إلى الإصابة بقصر في النظر، وأن يؤدي ذلك إلى زيادة الدرجة اللازمة في العدسة أو غيرها، فلم تسجل أي دراسة بأن متابعة شاشة الكمبيوتر يمكن أن تؤثر بهذا الشكل.
(5) القراءة في نور خافت تضر بالعينين وتخرب البصر:
دائما ما نسمع تلك العبارة مُنذ صغرنا... لا تقرأ هنا فالإضاءة ليست جيدة.... القراءة فى النور الخافت تسبب قصر النظر...الخ، ما صحة هذه المقولات، وما تأثير الاضاءة على العين أثناء القراءة؟
تعود آباؤنا وأجدادنا القراءة في ضوء خافت وفي ضوء مصباح الزيت والشمعة ونحوها ولم يكن ذلك ليؤثر على أبصارهم... فإذا كان أهلكم أخافوكم في صغركم بقولهم لكم أن القراءة تحت غطاء السرير أو اللحاف على ضوء مصباح ضعيف ومتحرك تلحق الأذى بالعين، فإن ذلك يجب ألا يقلقكم، لأن العلماء توصلوا بعد اختبارات عديدة إلى نتيجة واضحة تقول أن القراءة في ظل ضوء خافت أو غير كاف لا تلحق الضرر بالعيون، غير أنها تجعل إجهاد العين أسرع، أما أن يحدث ضرراً عضوياً أو ضعف بالبصر فإن هذا غير صحيح.
فقد قام العالمان راشيل فيرمان واكون كارول في عام 2007 بجمع كل الدراسات التي أجريت في هذا المجال وقارنوا بين نتائجها، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها بأن القراءة في ظل ضوء خفيف يستنفذ العيون ويتعبها، غير أن هذا التأثير السلبي يكون مؤقتا ولا يلحق أي نوع من الضرر الدائم بها.
وقد تصاب العيون في ظل الضوء الخافت أيضا بالجفاف، لأن الإنسان يلقى صعوبات أكبر حين يكون الضوء قليلا، لهذا يحرك جفنيه بشكل أقل.
وخلاصة هذه النقطة هي أن القراءة في الإضاءة الخافتة ببساطة لا تؤثر على العين في شيء، وإنما تسبب فقط عدم الراحة أثناء القراءة، وذلك لأن العين كحدقة وكعدسة تتأقلم مع كمية الضوء الداخل إلى العين ومدى قرب وبعد المسافة أثناء القراءة، فالقراءة في الظلام تسبب الإجهاد لعضلات العين إلا أنها سرعان ما تعود إلى طبيعتها تدريجيا بعد العودة الى الضوء العادي، أما المعلومة الشائعة أن القراءة فى الظلام تسبب قصر النظر فهذا لا أساس له، فقصر النظر يعتمد على تقعر قرنية العين بالأساس وقوة وضعف الإبصار له عدة عوامل متعلقة بالقرنية وعدسة العين والسائل الزجاجي والشبكية وعصب الإبصار ولا علاقة له على الإطلاق بقوة الإضاءة في المكان.
(6) كثرة القراءة تضعف النظر:
يعتقد بعض الناس أن كثرة القراءة أو قراءة حروف صغيرة باستمرار قد تؤدي لتدهور مستمر في البصر بالذات لكبار السن أو للأشخاص الذين يعانون من ضعف الإبصار. وهذا ليس صحيحاً أبداْ إذ أن استخدام العين باستمرار سواء كان في القراءة أو في أي مجهود بصري آخر لا يؤدي إلى ضعف البصر أو إلى حدوث أي أمراض في العين، كل ما هناك أن عضلات العين قد تجهد من القراءة لفترات طويلة، ويحتاج الشخص للراحة بعض الوقت.
يستطيع الأطفال التحديق بشكل أفضل من الكبار، ففي الوقت الذي يقوم فيه البالغون بمتابعة التلفزيون أو قراءة الكتب من مسافة بعيدة نسبيا، وذلك بسبب التوتر في عيونهم والتعب، فان الأطفال يستطيعون القيام بذلك من مسافات اقل ومن دون أي إشكالات، لان متابعة التلفزيون من قرب كبير هي بالنسبة للأطفال مسألة نمطية، غير أن هذه العادة تختفي لديهم لاحقا مع الكبر من تلقاء ذاتها.
الخلاصة أن التأثير السلبي لمشاهدة التلفزيون بشكل مبالغ فيه على البصر أمر غير قابل للنقاش عمليا، غير أنه يعرف منذ فترة طويلة أيضا بأنه في حال جلوس الطفل بعيدا عن الشاشة لمسافة نصف متر، فإنه لا يلحق الأذى بعينيه مثل وضعه الكتاب بشكل قريب جدا من وجهه.
(7) الحول عند الأطفال يمكن أن يزول تدريجياً وبدون علاج:
غالباً ما يكون الحول عند الأطفال ناتجاً عن عيوب انكسارية في العين أي طول النظر الشديد أو قصر النظر الشديد وفي كلتا الحالتين يحتاج الطفل إلى نظارة طبية أو عدسات توضح الرؤية وتساعد العين على التركيز بدقة، عند ذلك تقل درجة الحول وفي بعض الأحوال يزول الحول كلياً باستعمال النظارة.
وفي العموم فإن الأطفال المصابين بالحول غالباً ما يكون تركيزهم في النظر بإحدى العينين وتبقي الأخرى في وضع الحول لأن المخ لا يستطيع استقبال الصورة المشوشة من هذه العين، فينتج عن ذلك كسل وتأخر في نمو خلايا المخ الخاصة بالرؤية، ولا يمكن تحسين النظر فيها إلا عندما يرغم الطفل على استخدام تلك العين، وذلك بتغطية العين السليمة وإجبار الطفل على استخدام العين الكسولة وذلك في سن ما قبل سبع سنوات من العمر.
أما إذا تجاوز الطفل تلك المرحلة من العمر فقد لا يفيد ذلك الإجراء في تصحيح النظر في العين الكسولة.
دكتــور محمد السقا عيد
استشاري طب وجراحة العيون - عضو الجمعية الرمدية المصرية