لعلكم سمعتم مؤخرا الكثير عن الاهتزازات الرقيقة ذات الشدة الواطئة الموجهة لتقوية العظام الهادفة لتقليل أخطار حدوث الكسور فيها. ويطرح في الأسواق جهازان يبثان الاهتزازات الواطئة الشدة، وهما مصممان للاستخدام المنزلي، بينما تصدر وكالة أبحاث الرعاية الصحية والنوعية (ARHQ)، التي تقدم الاستشارات إلى الحكومة الأميركية في شؤون الرعاية، تقارير تركز على الدلائل المتوفرة عن هذه التوجهات الفريدة لحماية صحة العظام وتجيب عن الأسئلة الكثيرة المحيطة بها.
وتقوم أجهزة الاهتزازات الواطئة الشدة هذه بالتحفيز الرقيق للعضلات والعظام، بعد وقوف النساء عليها. ولا ينبغي أن يقع الالتباس بينها وبين أماكن أو منصات الاهتزازات عالية الشدة والاهتزازات الجسدية الكلية التي تستخدم بالدرجة الرئيسية للتدريبات والتمارين الرياضية، والتي يروج لها بوصفها وكأنها أجهزة لبناء العظام، إذ إن أجهزة الاهتزازات واطئة الشدة تقدم جزءا يسيرا جدا من الاهتزازات بالمقارنة مع أماكن الاهتزازات عالية الشدة التي يستخدمها الرياضيون.
احتياجات ملموسة
* إن عظام الإنسان تكون في حالة «صيرورة» مستمرة، عندما تتفتت أو تنهدم العظام القديمة، وتنشأ أو تبنى عظام جديدة. وإن حدث وفاقت عملية التفتت أو الهدم عملية النشوء والبناء، تظهر لدى الإنسان حالة هشاشة العظام (osteoporosis).
ويوظف الكثير من الأدوية في علاج هشاشة العظام، إلا أن واحدا منها فقط وهو «تيريباراتيد» teriparatide(«فورتيو» Forteo) يحفز على نمو العظام. (أما الأدوية الأخرى، ومنها أدوية البيفوسفونات (bisphosphonates) فتؤدي مفعولها بخفض عملية انهدام العظام.
وبدلا من تناول دواء يهدف إلى تكوين عظام جديدة، فإن الأطباء ينصحون النساء بتحفيز عظامهن، ميكانيكيا، وذلك بممارسة النشاط البدني، وخصوصا رفع الأثقال وتمارين المقاومة.
وعندما تتعرض العظام للضغط مثلما يحدث في نشاطات مثل الركض أو القفز أو رفع الأثقال، فإن خلايا العظم الناضجة المسماة «osteocytes» ترسل إشاراتها لتنشيط نوعين من خلايا العظام وهما: خلايا «osteoclasts» التي تقوم بإزالة المواقع المتضررة، وخلايا بانية للعظم «osteoblasts» التي تكون العظام الجديدة. وهذان الأمران يقودان إلى زيادة كثافة العظام وزيادة قوتها.
وبعد حلول سن اليأس عندما تبدأ النساء بفقدان العظام فإن فوائد التمارين تقاس عادة بمدى فاعليتها في تقليل فقدان العظام وليس في مقدار زيادتها الفعلية. وعلى سبيل المثال ففي تجربة مراقبة عشوائية أجراها علماء ألمان على مدى 12 سنة لنساء تخطين سن اليأس، وكانت لديهن كثافة منخفضة في العظام، ظهر أن اللواتي شاركن منهن في برامج لتمارين المقاومة فقدن أقل من كثافة العظام في الفقرات القطنية للعمود الفقري (بنسبة 80 في المائة أقل) من النساء اللواتي واصلن نهجهن في نشاطهن اليومي، كما فقدن أقل من كثافة العظام (بنسبة 45 في المائة أقل) في عظم الحوض (مجلة هشاشة العظام الدولية «Osteoporosis International»، مايو (أيار) 2011.
تجارب على الاهتزازات
* إلا أن التمارين الرياضية، وكذلك الأدوية، ليست كافية لبعض النساء، إذ إن تقدم العمر وزيادة المشاكل الصحية مثل آلام المفاصل وعجز القلب ربما تحد من قدرات تنفيذ تمارين تقوية للعظام. كما أن الكثير من النساء لا يتحملن أو لا يفضلن تناول أدوية هشاشة العظام. ولذا تصبح النتائج الخاصة بمدى نجاح العلاج بالاهتزازات، مهمة لهذا النوع من النساء.
وتجرى حاليا دراسة أولية في مستشفى الأطفال في بوسطن لاختبار ما إذا كانت الاهتزازات تخفض من انهدام العظام لدى الفتيان (أو الفتيات) المنومين في المستشفى من المصابين بمرض فقدان الشهية العصابي (anorexia nervosa) الذين لا يغادرون فراشهم كجزء من عملية علاجهم. ويقف هؤلاء الفتيان يوميا ولفترة قصيرة على جهاز يوضع قرب سريرهم يرسل اهتزازات واطئة الشدة. وإن نجح الباحثون في الحصول على نتائج طيبة فإنهم سيسعون إلى إجراء دراسة معمقة حول دور الاهتزازات في زيادة كثافة العظام.
وتقول الدكتورة كاثرين إم. غوردن، مديرة برنامج صحة العظام في مستشفى الأطفال، إن «العلاج بالاهتزازات واعد، لا للفتيان والفتيان المصابين بأمراض الأكل فحسب، بل وللنساء اللواتي يتعرضن لفقدان كتلة العظام المرتبط بسن اليأس». وأضافت «ومع هذا فانه وحتى الوقت الذي تتم فيه الإجابة عن التساؤلات الخاصة بالسلامة فإن على كل المرضى استخدام هذه الأجهزة الاهتزازية تحت إشراف طبي مباشر».
طريقة عمل الاهتزازات
* تشمل طريقة العلاج بالاهتزازات وقوف الشخص على منصة صغيرة تشبه الميزان. وتقوم المنصة بالاهتزاز نحو الأعلى والأسفل بشكل غير ملحوظ. وتكون كل من شدة الاهتزازات وسرعتها (وهي نحو 30 دورة في الثانية) متلائمتين مع شدة وسرعة التحفيز الطبيعي الذي يظهر في عضلات الإنسان عندما تنقبض وترتخي للحفاظ على وضعية جسم الإنسان وهيئته.
أما كيف تعمل طريقة الاهتزازات على زيادة كثافة العظام فإن ذلك لا يزال غير مفهوم، رغم أن الباحثين يقترحون بعض التفسيرات المحتملة، منها أن الاهتزازات تقوي العضلات، وتقوي الدورة الدموية في أنسجة العظام مما يزيد في تجهيز إمدادات العناصر الغذائية لها.
كما تفترض الأبحاث أيضا أن الاهتزازات ربما يمكنها أيضا مجابهة التغيرات في نخاع العظم التي تحصل مع تقدم العمر. ويحتوي نخاع العظم على خلايا جذعية محددة يمكنها أن تتحول إلى خلايا بانية للعظم، أو إلى خلايا دهنية أو أنواع من الخلايا الأخرى، استنادا إلى الإشارات التي تصل إليها. وقد أظهرت التجارب المختبرية في جامعة كارولينا الشمالية أن هذه الخلايا الجذعية تتحول في الأكثر إلى خلايا بانية للعظم (osteoblasts) وأنها أقل احتمالا أن تتحول إلى خلايا دهنية، عند تعرضها للاهتزازات ذات الشدة الواطئة.
الاهتزازات وهشاشة العظام
* لقد وظفت طريقة العلاج بالاهتزازات واطئة الشدة بهدف درء فقدان كتلة العظام للأشخاص المعانين من أوضاع استثنائية لا تسمح لهم بممارسة أي رياضة لرفع الأثقال، مثل المصابين بأضرار في العمود الفقري أو الأطفال المصابين بأمراض في الأعصاب تمنعهم من استخدام عضلاتهم. كما ينظر الباحثون إلى العلاج كوسيلة لدرء فقدان العظام لدى رواد الفضاء الموجودين في حالة انعدام الجاذبية.
ولكن هل يؤدي هذا العلاج بالاهتزازات مهمته للمصابين بهشاشة العظام الناجمة عن تقدم العمر؟ إننا لا نعلم ذلك علم اليقين بعد. ووفقا للدكتور دوغلاس بي. كيل، البروفسور في الطب بكلية الطب بجامعة هارفارد المشرف الرئيسي على دراسة حول تأثير الاهتزازات واطئة الشدة على البالغين المعانين من انخفاض كثافة العظام، فإن هناك «الكثير من الاهتمام. إلا أن النتائج ومع الأسف لا تزال غير قوية بما فيه الكفاية للتوصل إلى استنتاج حاسم بفائدة الاهتزازات واطئة الشدة للعظام أو عدم فائدتها».
عام 2010 وخلال تجربة امتدت 8 أشهر، درس باحثون أستراليون تأثيرات الاهتزازات الواطئة الشدة والعالية الشدة على كسور عظم الحوض لدى 47 امرأة تخطين سن اليأس (متوسط أعمارهن 71.5 سنة). وقد فقدت النساء في مجموعة المراقبة اللواتي واصلن نشاطهن المعتاد كميات ملموسة من العظام في العمود الفقري والحوض، إلا أن النساء المشاركات في جلستين أسبوعيتين من العلاج بالاهتزازات لم يفقدن تلك الكميات.
ووجد الباحثون أن كلا من الاهتزازات الواطئة الشدة والعالية الشدة فعالة على قدم المساواة، في درئها لفقدان كتلة العظام. إلا أنهم يظلون محاذرين في استنتاجاتهم.
وتقول الدكتورة بليندا بيك، الأستاذة المساعدة في كلية العلاج الطبيعي وعلوم التمارين في جامعة غريفيث الأسترالية، إن «دراستنا كانت صغيرة، ولذا فإن الكثير من البيانات يأتي من دراسات موسعة أخرى. ولكن وفي الوقت الراهن فإن كنت ترغبين في تجربة العلاج بالاهتزازات، فإنني سأنصحك بالالتزام بالاهتزازات الواطئة الشدة واتباع ما تقوله كتيبات الإرشادات لتلك الأجهزة».
ولكن ومن جهة أخرى، وخلال اجتماع للجمعية الأميركية لأبحاث العظام والمعادن، قدم باحثون من جامعة تورنتو نتائج كانت مخيبة للآمال نوعا ما بعد أن اختبروا مقدارين من سرعات الاهتزازات الواطئة الشدة على النساء (كان متوسط الأعمار لديهن 60 سنة)، المعانيات من نقص تكلس العظم (osteopenia) الذي لا تنخفض فيه كثافة العظام إلى درجة قوية ولذا لا يمكن تشخيصها على أنها هشاشة العظام.
وبعد سنة كاملة من توظيف هذا العلاج بالاهتزازات ظهر أن عددا من القياسات للنساء اللواتي خضعن له كانت متماثلة مع نفس القياسات التي أخذت من نساء تعرضن إلى علاج وهمي مقابل! ويبدو أن رصد فوائد العلاج بالاهتزازات يتطلب دراسات بطويلة المدى. وقال الدكتور كيل، إنه حتى أقوى الأدوية مفعولا تحتاج إلى سنة أو أكثر لزيادة قوة العظام.
وفي معهد «هيبرو سنيولايف» لأبحاث الشيخوخة التابع لكلية الطب بجامعة هارفارد يعكف الدكتور كيل وفريقه على إجراء تجربة مراقبة عشوائية تمتد 3 سنوات ربما ستقدم إجابات حول مفعول الاهتزازات الواطئة الشدة على الأشخاص المعانين من قلة كثافة العظام.
وقد طلب من 174 من الرجال والنساء المشاركين في الدراسة الذين كانت أعمارهم 60 سنة فأكثر، تمضية 10 دقائق يوميا بالوقوف على منصة للأبحاث، لتعريضهم للاهتزازات الواطئة الشدة، إما من جهاز حقيقي أو وهمي. وسيعكف الباحثون على مقارنة النتائج بمقارنة عدد من القياسات الخاصة بخطر الكسور وكثافة العظام وبنيتها، وحجم وبنية عضلات عظم الحوض. ويتوقع نشر النتائج عام 2012 الحالي.
وحتى الوقت الراهن فإن من غير الواضح من هم الأشخاص الذين سيستفيدون من الاهتزازات الواطئة الشدة، وما الجرعات التي تعتبر فعالة، وكيف يمكن متابعة العلاج. ولذا فإن وكالة أبحاث الرعاية الصحية والنوعية (ARHQ) تحث على الحذر عند تقييم أوائد الاهتزازات للمصابين بهشاشة العظام.
وتقول الدكتورة سوزان أوت، البروفسورة في الطب بجامعة واشنطن في سياتل، إن «بيولوجيا العظم معقدة جدا، ولذا ينبغي أن تكون الاهتزازات محددة بالترددات الصحيحة وبالقوة الصحيحة للحصول على استجابات جيدة». وتتخوف أوت من أن تكون الاهتزازات قوية بحيث تلحق الضرر بالعظام أكثر من درئها لحدوث الكسور وتضيف «إنني أقول لمريضاتي إن هذا الأمر يبدو واعدا، إلا أن عليهن الانتظار وعدم الانجرار لتجربته حتى تثبت الأبحاث فوائده».
أجهزة جديدة
* وقد طرح الخريف الماضي جهازان جديدان مثل تلك التي استخدمت في الأبحاث. الجهاز الأول هو «جافنت 1000» Juvent 1000وموقعه الإلكتروني «www.juvent.com»، الذي صنعه باحثون مرموقون في الاهتزازات، ومنهم الدكتور كلينتون إي. روبين، البروفسور المتميز ورئيس قسم الهندسة الطبية - البيولوجية بجامعة ستوني بروك، الذي أجرى بحثا رائدا حول استجابة الجسم البشري للاهتزازات.
أما الجهاز الثاني فهو لوحة «ماروداين إل آي في» للاهتزازات الواطئة الشدة (Marodyne LIV Tablet)، وموقعه الإلكتروني «www.marodyne.com» ويعمل في الشركة المنتجة له الدكتور روبين بصفة رئيس الباحثين العلميين والدكتور كيل بصفة مستشارا علميا.
مخاوف السلامة
* لقد ركزت غالبية أبحاث الاهتزازات التي يتعرض لها كل جسم الإنسان، على أخطارها، خصوصا على أخطار اهتزازات المنصات التي يقف عليها العمال أو الأدوات الاهتزازية التي يحملونها باليد أو على قيادة الشاحنات التي تحمل المعدات الثقيلة لساعات طويلة.
ووفقا للمعهد الوطني لسلامة وصحة العمل فإن هؤلاء العمال معرضون لخطر الإصابة بمختلف الحالات المرضية ومنها مشاكل الدورة الدموية والمشكل العصبية - العضلية، خصوصا آلام الظهر.
وتروج الشركات الآن لمعظم منصات الاهتزازات المطروحة في السوق بأن تصفها بأنها معدات للتمارين الرياضية أكثر منها معدات طبية ولذا فإنها لا تحتاج إلى تقييم إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) وتولد هذه الأجهزة عادة مستويات من الاهتزازات أعلى بكثير من حدود المستويات التي يوصى بها للعمال، ولذا فإن استخدامها ارتبط بظهور عدد من المشاكل منها حالات من الدوار الصداع، وفقدان التوازن. إلا أن المشاكل الخطيرة نادرة، ومع ذلك فإنها حدثت. ففي عام 2010 أفاد أطباء عيون إسبان بوجود حالتين لامرأتين تخلخلت لديهما عدسة في العين وضعت لهما بعد إجراء عملية جراحية لحالة «إعتام عدسة العين»، بعد فترة قصيرة من ممارستهما الرياضة على منصات رياضية اهتزازية. وفي مرة أخرى ظهر لدى امرأة منهما حالة دوار استمرت عدة أيام بعد إجراء التمارين.
ويحذر منتجو هذه المنصات الحوامل من استخدامها وكذلك المصابون بأمراض القلب والذين خضعوا قريبا إلى عمليات جراحية والمصابون بالفتق، وبالانزلاق الغضروفي، والسكري، والصداع النصفي، والصرع، والأورام السرطانية، والعدوى، والذين زرعت في أجسامهم مواد معدنية، أو المعرضون أكثر لتخثر الدم. وتحذر وكالة أبحاث الرعاية الصحية والنوعية المصابين بهشاشة العظام من مغبة استخدام منصات الاهتزازات الشديدة الموجهة لكل الجسم.
ووفقا للمنظمة الدولية للمقاييس التي تستخدم بيانات مستخلصة من تعرض العاملين لمستويات الاهتزازات، فإن مستوى الاهتزازات الذي تولده الأجهزة الواطئة الشدة المستخدمة في الأبحاث على هشاشة العظام آمنة لعدد من الساعات يوميا، وهي فترة أطول بكثير من الزمن الموصى به لتقوية العظام. إلا أن غالبية الأبحاث التي استخدمت هذه الأجهزة بهدف تأمين صحة العظام لم تضم أشخاصا من المعانين من مشاكل صحية كبيرة، كما لم تضم أشخاصا عاجزين عن الوقوف منتصبين ومتوازنين بأنفسهم، وأشخاصا يتناولون أدوية البيفوسفونات أو أدوية أخرى لعلاج العظام، وأشخاصا كانوا قد تعرضوا لكسور سابقة في العظام.
ولذلك، فإن سلامة مثل هذه الأجهزة لا تزال غير مؤكدة، خصوصا بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين يقال إنها تؤمن أفضل النتائج لهم، وخصوصا كبار السن المعانين من هشاشة العظام الذين يتعرضون إلى أخطار السقوط على الأرض