2010-02-12 01:07:13
أكد تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن ارتفاع المدخول ومَذاق الوجبات السريعة والمشروبات المحلاة بالسكر دفع مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة إلى نادي السمنة .
وأشار التقرير الذي نشرته المنظمة على موقعها الإلكتروني إلى إن ماراثون أبوظبي الذي تم تنظيمه أخيرا، زخر بعدائين ومشاركين من كل دول العالم، وصل عددهم إلى 306، إلا أن أحدا من مواطني الإمارات لم يشارك بسبب "غياب ثقافة ممارسة الرياضة."
ونسب التقرير إلى كريس كوليير وهو إنجليزي أسس نادي الخطوات السريعة "سترايدرز" في أبو ظبي قوله "ليست هناك ثقافة للعَدو هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة.. لماذا تعرض نفسك للحرّ والإزعاج طوعياً في هذا الصيف؟"
ويُرجِعُ كريس كوليير، من نادي الخطوات السريعة/سترايدرز في أبو ظبي والذي يُنظم هذا الحدث السنوي، غيابَ المشاركين المحليين إلى نقص ثقافة ممارسة التمرين في دولة الإمارات العربية المتحدة. وأوضح كوليير، وهو إنكليزي الجنسية: "نحن بالتأكيد لسنا مجرد ناد للمغتربين"، وتابع: "نحن نرحب بكل الجنسيات وقد أعطينا في الماضي الشباب الإماراتي فرصة للانضمام لنا في نشاطات العَدْو الأسبوعية لكننا الاستجابة كانت قليلة." وأضاف: "ليست هناك ثقافة للعَدْو هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة. لماذا تعرض نفسك للحرّ والإزعاج طوعياً في هذا القيظ؟"
وتُشكل المستويات المنخفضة من التمرين، جنباً إلى جنب مع طعم المأكولات السريعة المحمّلة بالكربوهيدرات والملح والدسم والسكاكر المصنعة، مدعاة للقلق المتزايد بشأن صحة الأمة. أبلغت منظمة الصحة العالمية في عام 2000 بأنّ أكثر من 50% من الرجال والنساء في دولة الإمارات زائدوا الوزن أو مصابون بالسمنة. هذه المعدلات هي أيضاً في ازدياد في بلدان أخرى في المنطقة. [تُعَرِّفُ منظمة الصحة العالمية زيادةَ الوزن بمؤشر كتلة الجسم البالغ 25 كغ/م2 أو أكبر، فإذا أصبح 30 كغ/م2 أو أكبر فهو سمنة.] أبلغ قسم التغذية والصحة في جامعة دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2008 بأنّ نحو ربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية و12 سنة زائدوا الوزن.
حيث توجد السمنة، فالداء السكري هو الحدث التالي. أفادت منظمة الصحة العالمية في عام 2000 أنّ 13.5% من سكان دولة الإمارات العربية المتحدة مصابون بالداء السكري، وهذا ثاني أعلى معدل انتشار للمرض في العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 19.3% بحلول عام 2030.
وتقول منظمة الصحة العالمية إنّ السمنة قد وصلت عالمياً إلى أرقام مُنذرة، فقد قدّرت في عام 2005 أنّ 1.6 مليار بالغ يعانون من زيادة الوزن، ومنهم 400 مليون بديناً على الأقل. لكن ما يثير الانتباه هو السرعة التي ظهرت فيها هذه المشاكل في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث كان قاطنوها منذ أقل من نصف قرن - من يُطلق عليهم اسم البدو الرحل، من المزارعين وقاطني المناطق الساحلية الصحراوية ممن يشاركون في صيد اللؤلؤ والتجارة البحرية - يعتاش على نظامٍ غذائيٍّ من السمك والأرز والخبز والتمر والخضروات المزروعة محلياً واللحوم واللبن الزبادي المُشتق من الأغنام والماعز والجمال.
حَفَّزَ إنتاج النفط، والذي بدأ في ستينيات القرن الماضي، نموّاً هائلاً في السكان والتمدّن مع تغيرٍ مصاحبٍ في نمط الحياة. إلا إنّ مشاكل السمنة والأمراض ذات الصلة في دولة الإمارات العربية المتحدة لا تقتصر على مواطنيها الذين يمثلون أقل من 20% من السكان. تعتمد التنمية في البلاد كثيراً على العمالة الوافدة، ومعظمها من بنغلاديش، والهند، وجمهورية إيران الإسلامية، والباكستان، والفيلبين، وسريلانكا.
ويُفيدُ الدكتور أيوب الجوالديه، المستشار الإقليمي في مجال التغذية في مكتب منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، بأنّ الناس أصبحوا ضحايا لثرائهم، ويقول: "يُفسدهم مدخولهم العالي،" مُضيفاً: "لديهم سائق وخادمة للقيام بالأعمال المنزلية ويتمتعون بتناول الطعام في المطاعم. ويمضون أيضاً ثلاث ساعات على الأقل في مشاهدة التلفاز يومياً، وأكثر من ذلك في فصل الصيف. لقد اعتاد الأشخاص على طهي الطعام في المنزل، أما الآن فنملك خدمة التوصيل من أي عدد من المطاعم." كما يفيد الجوالديه بأنّ الحصص الطعامية أصبحت كبيرة جداً: "مستويات منخفضة من النشاط مع الإفراط في تناول الأطعمة الخطأ- كل هذا أدى إلى زيادة السمنة التي تبدأ باكراً في الطفولة. ليست هناك سيطرة على الغذاء في المقاصف المدرسية التي يتم فيها بيع الوجبات السريعة والمشروبات الغازية. وبالطبع هذا ليس أمراً مرتبطاً بدولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، إنما يُدرك الناس في أوروبا والولايات المتحدة أنهم بحاجة لتغيير نظامهم الغذائي ونمط حياتهم، إلا إنّ هذا الوعي مفقودٌ في هذا الجزء من العالم."
وبينما يشير الجوالديه إلى نقص الوعي الصحي بين الجمهور، هناك علاماتٌ على إلحاح المسؤولين الحكوميين على التصدّي لهذه المشكلة. أطلق فريق الدكتور الجوالديه من المكتب الإقليمي لشرق المتوسط فى كانون الأول/ديسمبر من العام الماضى مسودة الاستراتيجية التغذوية الإقليمية للفترة 2010-2019، وهي تحث جميع البلدان في المنطقة على وضع برامج تتناسب مع أوضاعهم ومواردهم. واستجابةً لذلك شكّلت وزارة الصحة في دولة الإمارات العربية المتحدة والجهات الحكومية الأخرى اللجنةَ الوطنيةَ للتغذية لوضع مسودة مشروع استراتيجية وطنية للحد من السمنة ومرض السكري وغيرها من الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي.
وستركّزُ استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة - والتي يجري تطويرها بدعم من منظمة الصحة العالمية- على التثقيف الصحي والتغذوي وتحسين نماذج استهلاك الأغذية مع مزيد من التركيز على الخضار والفواكه وإغناء الطعام بالمغذيات زهيدة المقدار وتوسيم وتسويق الأغذية وبرامج التغذية المدرسية.
ويعتقد الجوالديه أنّ نقص المرافق ليس مسؤولاًً عن نفور الناس من ممارسة التمارين، ويقول: "لست بحاجة إلى أماكن زاهية لممارسة التمرين" وذلك إشارةً لأيامه في المدرسة الخاصة في الأردن حيث كان التلاميذ يمارسون نوعاً من التدريب لفترة وجيزة صباح كل يوم قبل دخول الصف.
دُرست المفاضلة بين ممارسة المزيد من النشاط والإقلال من الطعام من قبل باحثين في أستراليا أشاروا العام الماضي إلى أنّ اللوم في ارتفاع معدلات السمنة في العالم المتقدم يقع بالكامل تقريباً على الإفراط في الطعام وليس على نمط حياة القعدة الخالي من النشاط. كما أوحت دراسةٌ حول وباء السمنة في الولايات المتحدة، أجراها مركز التعاون لمنظمة الصحة العالمية للوقاية من السمنة في جامعة ديكن، فيكتوريا، أستراليا، بغياب أيّ انخفاض جوهري في مستويات ممارسة النشاط في السنوات الثلاثين الماضية. إنّها تقول بأن السعرات الحرارية المفرطة هي المُلامة، وهي نتيجة يتوقع الباحثون إيجادها عند تكرار البحث في بلدان أخرى.
يقول الجوالديه إنّ الناس في البلدان النامية والانتقالية، وخاصة الأصغر سناً منهم، يتأثرون بالتسويق. وأضاف: "هناك سيكولوجية تلعب من خلال الربط بين الأطعمة، كأن تربط الهمبرغر مع المشروبات الغازية على سبيل المثال". إننا نحتاج الى اتفاقية عالمية لتنظيم الإعلان عن الغذاء على شاشة التلفاز عندما يكون احتمال مشاهدة الأطفال أكبر.
يضيف الجوالديه: "إن المشكلة خطيرة حقاً". "ترتبط الأمراض غير المعدية كلها بسوء التغذية. نحن بحاجة للاستثمار بكثافة في مجالي الصحة والتغذية وحماية الجيل الجديد وتغيير الثقافة من خلال الشباب. لا بد من إدارة استراتيجية وطنية للتغذية من داخل وزارة الصحة من خلال قسمٍ يُخصّص للتغذية ويملك نفوذاً حقيقياً."
يؤيد الدكتور كاظم بهبهاني، المدير العام لمعهد داسمان الكويتي للأبحاث والتدريب والوقاية من مرض السكري وغيره من الحالات المزمنة، تركيز الجوالدية على تثقيف الشباب إذ يقول "إنّ الأطفال هم المفتاح لأنهم يستطيعون المساعدة في تغيير عادات آبائهم".
يضيف بهبهاني: "لقد اعتدنا أن نرى الداء السكري من النمط 2 في المقام الأول بين من أعمارهم 40 سنة أو أكثر". "أما الآن فيتطور هذا المرض عند أطفال لا تزيد أعمارهم عن 10 سنوات. نحن لم نقل للناس ما يتعين القيام به للاعتناء بصحتهم، ولا يزال الآباء يرون الطفل النحيل طفلاً مريضاً والطفل البدين طفلاً يتمتع بالصحة".
هناك دلائل أخرى على أن مكافحة السمنة تكتسب زخماً واهتماماً في المنطقة.
فعلى سبيل المثال، أصبح تدريب اللياقة البدنية في كلية دبي للطالبات جزءاً من المناهج الدراسية حيث تُخصّص ساعتان أسبوعياً للنشاط البدني للطالبات مع ساعة نظرية بالإضافة إلى واجباتهن المنزلية. يضغط هوارد ريد، مدير الكلية، باتجاه تحسين معايير الصحة واللياقة البدنية في المدارس منذ استقراره في دولة الإمارات العربية المتحدة عندما ترك الولايات المتحدة الأميركية قبل نحو عقدين.
يقول ريد: "السمنة في سن المراهقة في هذا البلد اصبحت خارج السيطرة". ويضيف "نحن لا نمشي ولا نركب الدراجات ونعيش في عالم تحيط به الوجبات السريعة المُتاحة والسهلة. وليس هناك العديد من الفرص لممارسة الرياضة في دولة الإمارات العربية المتحدة- كل شيء يتوجه ويدور حول السيارات. بالإضافة لذلك لا تتوفر شخصيات يمكن أن تكون قدوة للأطفال، ومعظم من يعرفهم طلابنا يملكون العادات السيئة ذاتها".