الطبيب - مني محمود:
أصبحت الأمراض الجسدية، على اختلاف أنواعها، تعصف بالغالبية العظمى من سكان العالم اليوم، والمفارقة الخطرة أن 83% منها ذات أسباب نفسية تسمى أمراض نفس بدنية أو سيكوسوماتية، ما حدا بمنظمة الصحّة العالمية إلى تكثيف جهودها للحدّ من انتشارها عن طريق الوعي الصحّي والإضاءة على أهمية الصحّة النفسية في المحافظة على توازن الفرد والمجتمع معاً.
إضطرابات نفسية تخلّ بكيمياء المخ يؤكّد الطب السيكوسوماتي أن أيّ مرض أو اضطراب نفسي يغيّر في كيمياء المخ، فينتج عنه خلل في وظائف الجسم، ما يدلّ على وجود علاقة بين الدماغ وجهاز المناعة، ذلك أن العقل والفكر والأحاسيس والسلوك ليسوا سوى تفاعلات كيمائية وكهربائية تؤثر، بشكل مباشر، في الخلايا العصبية للدماغ، فتتأثر بالتالي العمليات الحيوية للجسم وتظهر الأمراض المختلفة.
مثال على ذلك أنه في أثناء الضغط النفسي والإرهاق والتوتر والانفعالات السلبية تفرز الأعصاب هورموناً خاصاً هو Neuropeptide Y يذهب، بشكل مباشر، إلى الدم ويضعف جهاز المناعة. أمراض نفس بدنية ... من الزكام الى السرطان! أكثر الأمراض النفس بدنية شيوعًا: الزكام والسعال، قرحة المعدة، السكّري، العقم، مشكلات الهضم، الربو والحساسية، الصداع النصفي، إضطرابات التبوّل والإخراج، اللومباغو، إضطرابات الغدد والحواس، بعض أنواع السرطانات والفيروسات العادية، ضغط الدم وخلل في عمل القلب، الكوليسترول، إلتهاب القولون، القصور الكلوي، الأمراض التناسلية، إضطراب الدورة الشهرية، البرود الجنسي أو الشبق الجنسي عند المرأة واضطراب الوظيفة الجنسية عند الرجل، إلتهاب المفاصل، آلام العضلات، السمنة الزائدة أو فقدان الشهية، الصلع وسقوط الشعر، ظهور البثور في الوجه وجفاف البشرة والأمراض الجلدية، تكسّر الأظافر وغير ذلك.
القلق.. مرض العصر ونواة الأمراض السيكوسوماتية القلق الفردي وما يتبعه من توتر وتغيرات مزاجية وعاطفية وحزن وكآبة ينجم عن الشعور بالاضطهاد المعنوي، الصدمات الشديدة، التفكك الأسري، المشاكل الزوجية، الإفتقاد إلى الشعور بالانتماء والأمان النفسي والاستقرار، تراكم خبرات الفرد وإحباطاته وتكرارها وعجزه عن مواجهتها وتصفيتها وغير ذلك من الأسباب التي لا يتسع المجال لذكرها.
القلق الاجتماعي يسببه: ـ إنتشار الصراعات والحروب ومعاناة المجتمعات كافة من القلق على المصير وتعرّضها للقهر المعنوي وللظلم. ـ التوتر الناجم عن زيادة الضغوطات المعيشية ومتطلبات الحياة الاجتماعية الاقتصادية. ـ التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام. ـ غياب العدالة الاجتماعية. ـ إفرازات الحضارة التي تحتم على الفرد التكيف معها رغم ضآلة إمكانياته، مما يسبّب له التوتر والإنفعال.
علاج النفس لشفاء الجسد على الراغب في المحافظة على صحّته الجسدية أن يعير سلامة نفسه الأهمية القصوى فلا يتأخر عن اللجوء إلى العلاج النفسي الذي أصبح اليوم ضرورة حتمية لتصفية الصراعات الماضية الدفينة وتعلّم كيفية مواجهة الأزمات الحالية والمستقبلية لحماية جسده، بعدما صار محسوماً أن الشخص القادر على السيطرة على نفسه والتحكّم في حياته هو أكثر سعادة ورضى وقناعة وأقلّ عرضة للإصابة بالأمراض النفس بدنية.