بكتريا الآلام المزمنة .. الرؤية المجهرية بين أنسجة الجسد وخلايا الروح
الخميس 23 ذو الحجة 1446 هـ - الخميس 19 يونيو 2025 م 02:02:47 PM
تعد
البكتيريا الضارة سبباً رئيسياً للعدوى والالتهابات خصوصاً عندما تغزو البكتيريا جسم الكائن الحي وتتكاثر فيه بمفردها، فهي قادرة على العيش في جميع الأوساط حتى القاسية منها فتعبث في تلك البيئة وتنتج مواداً كيميائية قوية كالسموم فتتسبب بتلف الخلايا وتدمير أنسجة الجسم فتظهر الأمراض البكتيرية متنوعة الشدة ما بين البسيطة والخطيرة منها ولأن هذه الكائنات لا تُرى بالعين المجردة فهي تدخل لأعضاء الجسم بعدوى بشكلها المبدئي وعند عدم تداركها فهي تنشط وتتكاثر فتنتهي بمرض، وهنا نحتاج لمحاربتها بالاستعانة بالمضادات الحيوية ونأمل بأن تكون هذه البكتيريا غير مقاومة للعلاج كما يحصل فعلياً مع بعض الحالات وهذا أيضاً يعتمد على قوة الجهاز المناعي في الجسم.
كل ما ذكرناه أنفاً هو شرح مبسط وطبيعي للأمراض البكتيرية ولكن هل هناك بالفعل بكتيريا بحد ذاتها تسبب آلاماً مزمنة ؟!
البكتيريا التي سنتحدث عنها تتشابه مع البكتيريا في الوصف والمعنى وليست هي بالحقيقية الفعلية ، أي أنها تنحو نحوها وتقوم كما وظيفتها وتتكاثر بلا موجه وقد تقاوم العلاجات إن لم يتم تداركها منذ بادئ الأمر ..
كل إنسان في الحياة يولد وكأن معه درع وظيفته أن يحمي النفس من الصدمات النفسية فمنذ الولادة قد يكون هناك سبباً جينياً جعل من هذا الدرع أن يكون قوياً وصلباً كالفولاذ عند بعض الأشخاص و قد يكون هشاً وضعيفاً كالغصن عند البعض الأخر وكل هذا قبل أن يفتح الطفل عينيه ويتعرف على الحياة ويخوض غمارها فهذا الدرع وكأنه بمثابة الجهاز المناعي ولكن للنفس وليس للجسد.
فمن الطبيعي أن يتعرض الإنسان للعديد من الضغوطات والصدمات النفسية في كل مراحل حياته فقد يعاني من بعض القسوة في طفولته والتنمر في مراهقته والتجاهل في شبابه وكل هذه المواقف قد تكون صغيرة وبسيطة يتعرض لها معظم الأشخاص ولكن قد يتم تجاهلها والهروب من مواجهتها وكل مرة يستطيع ذلك الشخص من الوصول لشط الأمان بدون الشعور بتداعيات نفسية، فإن هذه كأنها عدوى بكتيرية بسيطة ولكن جهازه المناعي القوي يقاومها في كل مرة.
ولكن ما قد يكون غائباً عنا بأن هذه المواقف البسيطة قد تخلق ثغرات صغيرة في ذلك الدرع النفسي فعند تراكمها يصبح أقل صلابة عن السابق وعندما يتعرض هذا الشخص لصدمة نفسية قوية مثل فقد عزيز أو صدمة عاطفية فإن ذلك الدرع يضعف وينهار ويتعرض الجسم للآلام المزمنة بعد معاناة من تراكمات الضغوطات النفسية لفترة طويلة وتجاهلها .
ولكن البعض الأخر قد يكون درعه النفسي هش منذ الولادة فحتى المواقف النفسية البسيطة منذ الصغر قد لا تخلق ثغرات صغيرة وإنما قد تُهشم ذلك الدرع من البداية لأن مناعته النفسية ضعيفة في مقاومة الصدمات وهنا قد تبدأ معه دوامة الآلام المزمنة في سن مُبكر، والأمر البائس في الموضوع بأن تجاهله لكل المواقف ومحاولة الهروب الدائم من مواجهتها وتركها بلا علاج قد تجعل من التراكمات النفسية عبئاً على الروح فتضعف الجهاز المناعي الفعلي للجسم فتصبح حساسيته للألم عالية عند أقل مؤثر أو مشكلة مرضية فيقع حينها في شبح الآلام المزمنة غير واضحة الأسباب الجسدية ومجهولة المصدر
فالتراكمات النفسية هي فعلياً ( بكتيريا الآلام المزمنة ) لأنها كالبكتيريا تنشط وتزيد وتتكاثر عندما ترى البيئة المناسبة فعندما يعي الإنسان بأن روحه عرضة لعدوى الهشاشة النفسية ولا يتداركها بالعلاج حينها هو الذي ساهم في توفير مساحة لبكتيريا الصدمات النفسية حتى تعبث في خلايا روحه وتنهش ما تبقى من أنسجة جسده ويقع في فخ الاكتئاب والعزلة النفسية والآلام الجسدية
وبالتالي فإن المضادات الحيوية المعالجة لهذه البكتيريا هي سلامة الروح والعناية برقيها ومكنوناتها وعلاج أمراضها المعنوية، وهو أمراً في غاية الأهمية حتى لا يقع الإنسان فريسة للأمراض النفسية والجسدية عند ضعف درعه المناعي النفسي والجسدي وعلينا أن نزهد في كل شيء قد يتملكنا ونتعامل بدبلوماسية راقية مع كل ما قد يتسبب في حزننا وخدش أرواحنا وانهيار تفكيرنا وعصف ذواتنا ولنتيقن دائماً بأن العسر مهما اشتد على أرواحنا فهو متبوعاً بيسر لأن ذلك وعداً ربانياً تمثل في الآية الكريمة ( إن مع العسر يسراً )
وقد اختصر سقراط الحكيم ذلك المعنى مُتجلياً في قوله : ( إني لم أحزن قط إذ ما أحببت قط شيئاً حتى أحزن بفوته، ومن سره ألا يرى ما يسؤوه فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقداً )
د. هبه الحبيب
أخصائي أول عظام علاج طبيعي