2012-12-24 11:57:15
بعد كل شروق يأتي الغروب, ومهما طال النهار سيتبعه ليل بهيم, وما طار طير وارتفع الا وكما طار وقع؛ تلك سنن الحياة تسري على كل الكائنات.
بعد سن الطفولة حيث المرح واللعب نمر بمرحلة الشباب حيث الآمال العراض والمغامرة والاقدام ؛ثم كمال النضج والأشد وصولا لشيخوخة نحط فيها الرحال ونستريح قسرا من نصب الحياة.
الشيخوخة مرحلة بيولوجية تتغلب فيها طاقة الهدم على طاقة البناء ؛ فتحدث فيها تغيرات جسمانية حيث يرق العظم وينكمش الجلد وتضعف الحواس، وتغيرات نفسية حيث يميل المسن للانعزال فيغلق كتاب الصداقة وتخونه ذاكرة الأيام وربما يرى الموت في كل شربة ماء ،وتغيرات اجتماعية حيث يفقد قيمته كمحور للأسرة والمجتمع ويصير هامشا في صفحة الحياة ؛الا أن الشيخوخة تظلل كنزا من الخبرات التي تراكمت وثروة من حكم السنين وتجارب الزمان .
تتزايد نسب المسنين في كل المجتمعات ولذا كان البحث وتقديم كل العون لهؤلاء المحرومين واجب شرعي وأخلاقي وعقلاني؛ فهم الشموع التي احترقت لتضيء لنا الطريق ،وهي الأيدي التي كدت لتبني لنا جسورا في الحياة ،وهي العقول التي صاغت لنا المعارف والعلوم ،وهي النفوس التي ضحت لتفسح لنا الطريق ،و كانوا ومازالوا ورودا تنثر العبير في ثنايا الحياة ودرة في جبين أهل الفضل والعرفان .
كل الأشياء إذا كثرت رخصت الا الخبرة والحكمة والعلم وهذه هي القيمة الحقيقية للمسن؛ وقد فقهت بعض المجتمعات لذلك ففي كندا صار التقاعد اختياريا وفي اليابان تم رفع سن التقاعد ليضيفوا رصيد تلك السنين والخبرات لقوة وعزم وإرادة الشباب. (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم) ونحن عندما نكرمهم فنحن في الحقيقة نكرم أنفسنا عندما تدور بنا عجلة الزمن ويصدق فينا من وصف فقال:-
فاســــمع أنبئـك بآيات الكبــر
تقــارب الخطو وضعف البصــر
وقلـــــة الطعم إذا الزاد حضــر
وكثرة النســـيان ما بي مُدّكــر
وقلة النــــــــوم إذا الليل اعتكر
أوله نـــــــــومٌ وثلثاه ســـــهـــر
وســـعلة تعتادنــــي مع السحر
دمتم شيوخا مكرمين .