" الصحة... رأس كل شيء !!!" بقلم/ الدكتور ميثاق بيات الضيفي "هل نحن جاهزون... ليس فقط في التفكير... وانما في الممارسة العملية لتطبيق الحد من عوامل الخطر؟!!"
عوامل الخطر هي مجموعة من العوامل التي ليست السبب المباشر لأمراض معينة، ولكنها تزيد من احتمالية حدوثه، والسؤال الذي هو أكثر فعالية.. ما الحد الجزئي من الضرر أو الرفض الكامل لعوامل الخطر التي تدمر صحتنا وتقلق الأطباء في جميع أنحاء العالم؟ ان الحد من الضرر يمكن أن يكون بالانتقال إلى تفاعل أقل ضررًا مع عوامل الخطر كحل نهائي للمشكلة ولربما يقضي تمامًا على تطور الأمراض.
وفي كثير من الحالات قد يكون هذا هو النهج الوحيد المعقول، خاصة عندما يكون من الواضح أن الشخص ليس مستعدًا للتخلي تمامًا عن العامل الذي يؤثر سلبًا على صحته، وبالتالي فإن الحد من الضرر من عوامل الخطر هو حل وسط، وإن كان جزئيا لتحسين إحصاءات الصحة العامة وحل مشاكل الصحة.
فمفهوم الحد من المخاطر، الذي طورته منظمة الصحة العالمية منذ أكثر من 25 عامًا ، والذي يتضمن الترويج متعدد المستويات لنمط حياة صحي، والسيطرة والوقاية من الأمراض غير السارية، يهدف إلى تقليل المخاطر المرتبطة بالأمراض غير المعدية ويغطي الأنشطة في مختلف المجالات كالرعاية الصحية، السياسة المالية، العلاقات الدولية، التعليم، الزراعة، قطاع التكنولوجيا، وان القيم الرئيسة لهذا المفهوم هي حماية الصحة، وحق الإنسان في تلقي معلومات كافية عن صحة المرء، والحق في الوصول إلى الخدمات الصحية.
تؤثر عوامل الخطر في المقام الأول على الأمراض غير السارية وإن الحاجة إلى إجراءات فعالة في مجال الحد من عوامل الخطر والوقاية من الأمراض اليوم هي قضية ملحة للعديد من المؤسسات العلمية والطبية، ونعتقد أن تطوير وتشكيل أسلوب حياة صحي وتطبيقه ودعم الجمهور له أهمية بالغة.
وإذا حاولنا التأكد من مشاركة الناس بوجهة نظرنا بشأن هذه القضية ، فسيكون ذلك ميزة كبيرة للطب الوقائي، كما ان الحد من عوامل الخطر هو النهج الأكثر اقتصادا وفعالية لحل المشكلة العالمية لانتشار الأمراض غير السارية، مما سيسمح بالتصحيح العقلاني لعوامل الخطر عبر تقليل الإصابة بالأمراض، وتقليل عدد نداءات الرعاية في حالات الطوارئ، وتقليل الإعاقة وتقليل "الوفيات الزائدة".
ولذلك فإن التدابير والبرامج الوقائية والفحوصات الطبية للسكان تساعد على تحديد عوامل الخطر والأمراض غير السارية والمزمنة، وتسمى عوامل الخطر بمجموعة من العوامل التي ليست السبب المباشر لأمراض معينة، ولكنها في الوقت ذاته تزيد من احتمالية حدوثها. وبمبادرة من منظمة الصحة العالمية، في عام 2011 ، وقع أكثر من 190 دولة على خطة العمل العالمية للوقاية من الأمراض غير المعدية والوقاية منها، تهدف هذه الخطة إلى تقليل عدد حالات الوفاة المبكرة من الأمراض غير المعدية بحلول عام 2025 بنسبة 25٪ من خلال العمل النشط لتحديد عوامل الخطر والقضاء عليها، وفيها ينطوي مفهوم الحد من عوامل الخطر على تدابير شاملة وفعالة كفرض حظر كامل على جميع أشكال الإعلان عن التبغ والكحول، واستبدال الدهون المتحولة بالدهون غير المشبعة المتعددة، وتعزيز الرضاعة الطبيعية وحمايتها، ومنع سرطان عنق الرحم عن طريق الفحص.
ولذا عد أحد أكثر أشكال الحد من عوامل الخطر فعالية هو إعلام الجمهور، كما ويمكن أن تكون "المصادر" هي وسائل الإعلام والمنظمات العامة والعاملين الطبيين الذين يمكنهم التحدث عن الطرق الممكنة لتقليل الضرر أثناء استشارة المريض، وإن أفضل توصية لتحسين حالة الجسم هي الرفض الكامل لعامل الخطر كالتحول إلى نظام غذائي صارم، ورفض كامل للمخدرات والكحول والتدخين ، وإدخال النشاط البدني اليومي، بالإضافة إلى ذلك يمكن تطبيع أنماط النوم، ورفض المواقف العصيبة في العمل، وحتى تغيير مكان الإقامة ومجال النشاط.
نتساءل هنا هل هذه التوصيات دائمًا ذات صلة وقابلة للتنفيذ؟ وهل نتفق في كثير من الأحيان على تدابير جذرية لتحسين صحتنا؟؟ في المواقف الحرجة عندما يكون حدوث مرض غير ساري أمرًا لا مفر منه تقريبًا، يضطر الأطباء إلى تقديم مثل هذه التوصيات الجذرية، ومع ذلك فمن الناحية العملية كلما كان الحظر أكثر صرامة قل احتمال اتباع المريض لها، لان التفاعل يرتبط مع عوامل الخطر واستهلاك المنتجات التي يحتمل أن تكون ضارة بشكل منهجي بالتفريغ النفسي، لذلك لا يستطيع الشخص غالبًا رفض عامل الخطر تمامًا دون تعريض نفسه لضغوط إضافية، وهنا تنشأ المعضلة فهل ينبغي على الطبيب أن يوصي بتقليل عوامل الخطر، وعدم التخلي عنها تمامًا، إذا لم تكن هذه التوصية حلاً لقضية الحياة أو الموت؟.
وقد كشفت دراسة استقصائية أجريت على العديد من المرضى في المراكز الطبية الرائدة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية أن العديد من المتخصصين يستخدمون منذ سنوات عديدة طريقة التوصية بتقليل الضرر الجزئي من عوامل الخطر، ومع انه يمكن سماع مثل هذه التوصيات في حالات خاصة فقط، لكنه لا يتم تغطيتها في وسائل الإعلام ولا يتم دعمها من قبل المنظمات العامة، وفي العديد من النواحي يتم تفسير مفهوم الحد من عوامل الخطر من خلال المحافظة المفرطة وعدم استعداد الناس لتقديم تنازلات فيما يتعلق بصحتهم، وعندما تكون الأغلبية عرضة للحل الكامل أو الرفض الكامل، فإن أي حل وسط سيكون مؤلمًا وسيستغرق تنفيذ الحد من الضرر الجزئي على جميع المستويات أكثر من عام واحد. هنا نطرح تساءل، هل نحن جاهزون، ليس فقط في التفكير، وانما في الممارسة العملية لتطبيق الحد من عوامل الخطر؟.
هل سكاننا جاهزين لسماع وتطبيق توصيات بديلة من الأطباء تساعد على تحسين صحتهم بأساليب أقل جذرية ورفضًا؟؟ هل يمكن لهذا المفهوم أن يكون قريبًا ومفهومًا لشخص عربي؟؟؟ ومن الواضح أنه بغض النظر عن الجنسية فإن مفهوم الانخفاض الجزئي لعوامل الخطر أكثر ملاءمة لأولئك الذين لا يخططون لتغيير نمط حياتهم بشكل جذري، فإذا لم يكن الشخص مبال بصحته ونظافته، وليس مستعدًا للإقلاع عن التدخين، والتوقف عن شرب المخدرات والكحول، وتناول الوجبات السريعة واللحوم الحمراء بأفراط، ولا يؤدي بانتظام الألعاب الرياضية، فهذا لا يعني فقط "هلاكه" انما هزيمته بالكامل امام الأمراض السارية والوبائية !!!.