في ظل تنامي ظاهرة استخدام المخدرات بين الشعوب وكونها تعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد منظومة الأمن الشامل لأي مجتمع لما تفرضه من إنعكاسات صحية ونفسية واجتماعية وسلوكية وأمنية، وهذه الانعكاسات لا تقتصر على المتعاطي والمدمن فقد ، بل تتعدى الى كافة افراد الاسرة والمجتمع .
والاكثر تضررا تحديدا من هذه المشكله تكون الفئات الهشة الضعيفة من الاطفال والاناث خاصة . لماذا الاناث الاكثر تضرراً من ظاهرة المخدرات ، الامر لا يقتصر هنا كونها تعيش في أسرة تعاني من ادمان احد افرادها للمخدرات بل يزيد تعقيدا اذا كانت هي نفسها مستخدمة للمخدرات لما تلاقية من وصمة عاليه وتهميش وإقصاء من العائلة والمجتمع .
وأجمعت الدراسات والتقارير العالمية ومن خلال الخبرة العملية في العمل مع النساء المدمنات أن موضوع ادمان النساء من أكثر الموضوعات الشائكة في عالم الاستخدام والتعاطي لما يرتبط بالوصم الاجتماعي العالي والتهديد العالي لحياة المستخدمة وهذا ما ذكرته احدى النساء المدمنات " انا اعيش الخوف كل دقيقة .. لا اعلم متى تكون النهاية " واخرى تحدثت بانها تعيش حياة تشبه الحياة رغم انها متعافية من سنوات " لدي اسرة وطفل جميل لكن استخدام المخدرات حرمني الكثير من الاشياء الجميلة وجعلني اعيش الخوف الدائم " نعم اتفق مع من يقول الادمان أنثى .... مجتمعاتنا العربية والعالمية ليست ببعيدة عن ذلك ذكورية بامتياز في التعامل مع قضية ادمان النساء ورعايتهن .
لو نظرنا كل في مجتمعه لمن توجه خدمات الرعاية والعلاج وكيف نتعامل مع ادمان الذكور مقابل الاناث .. نجد ان المدمن الذكر يحصل على الدعم والاسناد العالي من اسرته للتوجه للعلاج وإعطاؤه حوافز للاستمرار ، في المقابل النساء يتم انهاء حياتها منذ لحظة اكتشاف امرها بداخل الاسرة من خلال حرمانها من تلقي اي رعاية طبية ونفسية خوفا من انكشاف أمرها وهذا بدوره يعزز حالة الارتهان الصحي العالية التي تلحق في الاناث المدمنات، وعند القرار لادخالها مصحة علاجية في بعض الدول يقف الاهل عاجزين امام خيارات توفر خدمة العلاج التي تكاد تكون معدومة ،إما تدمج في مراكز خاصة في الذكور، أو إغراقها بالمهدئات والادوية النفسية دون اي متابعة مما يزيد وضعها أكثر تعقيداً. تقارير عالمية تتحدث حول ذلك.
وأشار تقرير سنة 2021 وسنة 2022 لمكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن النساء ما زلن يمثلن أقلية في صفوف متعاطي المخدرات على مستوى العالم ، كما وأشار زيادة في استهلاكهن للمخدرات والانحراف نحو الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المخدرات بسرعة أكبر من الرجال .
وتحتل النساء ما يقدر 49.45% من مستخدمي الامفيتامينات والمنشطات الصيدلانية والمسكنات والمواد الافيونية . إضافة الى أن فجوة العلاج لا تزال كبيرة للنساء على مستوى العالم . وبالرغم ان النساء يمثلن نصف مستخدمي مادة الامفيتامينات الا ان واحدة مقابل خمسة أشخاص من الذكور المستخدمين يتعالجن من اضطرابات تعاطي المخدرات .
وهنا علينا أن نسأل أنفسنا ..لماذ ؟؟ فحسب التقرير أن النساء يؤدين عدة أدوار في عالم الادمان وتجارة المخدرات من حيث زراعة المخدرات ونقل كميات من المخدرات وتهريب المخدرات الى السجون ... نساء في دائرة الوصم .. والتمييز ... والتهميش.. والاقصاء ... كيف وصلن لهذه الدائرة ؟؟ المشاكل العائليه والعنف الأسري الموجه لهن بكافة اشكاله كان السبب الرئيسي والمشترك بين كافة المدمنات على المخدرات وتعرض البعض منهن للاعتداءات الجنسية من داخل الاسرة .
وياتي الشريك العاطفي أو الزوج أيضا كأحد الدوافع الكبيرة لاغرار بالنساء لتجربة واستخدام المخدرات إما من أجل المتعة الجنسية او استغلالها من أجل تأمين نفسه بالمخدرات " استغلالها جنسيا" . مع حالة القهر والعجز التي عاشتها انثى تتعرض للعنف بكافة اشكاله اعتقدت لوهله ان الهروب من المشاكل والالم نحو استخدام المخدرات هو مداواة لنفس مقهورة ومحبطة .في حالة تخبط وعدم وعي وجهل بما سيؤول اليه حالها.؟ .
فالخبرات المؤلمة اذا لم يتم التعامل معها بشكل صحي وسليم ستبقى مهدد باستمرار لامنها النفسي .ان غالبية المريضات بمرض الاددمان تعيش الم الاستخدام والمرض والم انعدام الخدمات العلاجية والنفسية الخاصة والم الوصمة الاجتماعية اتجاهها .. فهي تحتاج لقةو نفسيى جبارة لكي تستطيع ان تتعافى في ظل مجتمع لا يتسامح معها في أبسط الامور فكيف مع قضية إدمان المخدرات والتي يعتبرها ضرب لشرف العائلة والحمولة .
الدخول في دائرة الادمان لا يتوقف هنا ... أثار تعاطي المخدرات على النساء المدمنات تكون أكثر ألماً واقصاءاً وهذا ما اكدته غالبية المدمنات أنه يتم محاولات لإستغلالها جنسياً في مرحلة الإدمان سواء من داخل الأسرة "سفاح قربي" او خارجة يظهرن خوف وتوتر عالي بسبب التعرض للوصمه الإجتماعيه وخاصه حين يتورطن بعضهن بالعمل الجنسي أو اجبارهن للعمل في الجنس من أجل تأمين حاجتهن وحاجة الشريك العاطفي أو الزوج من المخدرات .مما يلحق بهن مشاكل إجتماعية كالطلاق او مشاكل مستمره مع الزوج وحالة من الأرق وتقلب للمزاج والخوف وإكتئاب وقلق وتوتر من المجهول الذي ينتظرها كل لحظة . ووضع اجتماعي سيء وعنيف ( عنف تجاه الأخرين ) وهي شكل من أشكال المقاومة وانكار المشكله،خوفا من الوصمه الاجتماعية العالية .ومعاناتها من اضطربات نفسية ( إكتئاب ، إحباط ، قلق ، وخوف عالي.. ) وهلاوس والشعور بالإضطهاد الدائم . رؤية الموت يلاحقها في كل لحظة .. "حياة بلا معنى وقيمه".
وماذا عن العلاج : تقول احدى المتعافيات من مرض الادمان " تهت كثيرا ولم اجد من يساعدني . افترشت الحواري والشوارع مت مرارا ولم يشأ الله موتي وكأني على موعد أبدي مع الالم والمعاناة .. وبعد حياة حافلة بالتيه ةالانحراف كان لا بد من التوقف عن الاستخدام لحظه تأـي لا تعرف متى وكيف .. لكن انها الرغبة بالحياة وكانت لي حياة اخرى ليست بالوردية ولكن بدون مخدرات.. أصبح لي من سنوات التعافي ست سنوات ورغم ذلك لم اجد لي مكان بين أهلي والمجتمع فأنا خسرت سمعتي وأهلي من اول مرة استخدمت المخدرات حاربت الادمان ومستمرة في محاربة ما لحق بي من وصم .." ابرز ما يواجه النساء المريضات بمرض الادمان من تحديات للتوجه للعلاج هو عدم ضمان السرية وانكشاف أمرهن الخوف من العائله حين اكتشاف وضعها بأنهاء حياتها .والخجل وعدم ادراك المشكله وخاصه متعاطيات ومدمنات المهدئات والترامال، والوصمه الاجتماعية وعدم تسامح المجتمع مع قضية ادمان المرأه واعتبارها عار وليس مرض، والتوقعات العاليه من المرأة للدور الذي تقوم فيه داخل اسرتها، يجعلها تحاول اخفاء ادمانها عن الاخرين .والطبيعة البيولوجيه للمرأة وعلاقتها بفترة الانقطاع عن المخدرات والحالات المزاجيه المتقلبه التي تمر فيها والخوف من مرحلة الانقطاع في ظل ندرة خدمات العلاج الخاصة بالنساء المدمنات .فعزوفهن عن تلقي اي خدمة علاجية وان توفرت يبقى شبح الوصم الاجتماعي يلاحقهن ومهدد لهن .
إذن ما المطلوب ... على المجتمع الدولي ومجتمعاتنا العربية ان يتعامل مع قضية ادمان النساء باكثر اهتمام بعيدا عن التمييز فيما يتعلق بالخدمات النفسية والعلاجية والتدخل المبكر مع حالات العنف اتجاه الاناث داخل أسرهن وخارجه وان تتوفر قواننين راعه وحامية للاناث الصغيرات المعرضات لكافة الاستغال في أسر هشة مفككة تعاني مرض الادمان وكفى التعامل مع موضوع ادمان النساء بنظرة ذكورية . فالذكر هو من ادخلها لدائرة الادمان بتعنيفه واستغلاله وهو من يقوم على حرمانها من حياة طبيعية بفرض طوق عليها يمنعها من الاستفادة من خدمات علاجية وحقوق لها بحجة سمعة وشرف العيلة ... كفى وكفى لكافة أشكال التعنيف والتمييز والتهميش .. لهن الحق في االحياة والعيش بكرامة كإنسانة.