يوميات نائب في واق الواق.. بقلم د.إيمان اسماعيل
2009-06-20 07:48:42
جلس أمامي يقسم انه يراني " ايوه يا دكتور انا شايف كل حاجه, بس النور ضعيف في الأوضه". و أنا أمامه مثل شريف منير في فيلم الكيت كات " يا حاج انت ليه مش مصدق انك أعمى. يابا انت راجل أعمى". كان مصابا بجلطة في القشرة المخية البصرية. و كان بالطبع أعمى. دخل الأستاذ ليجد ذلك الجدال المحتدم بيني و بين المريض. ابتسم لسذاجتي فقد .كانت المرة الأولى التي أرى فيها مريضا من هذا النوع.
قال لي إن الرجل أعمى فقد ماتت القشرة المخية التي كان يرى بها ولكنه لا يعرف انه أعمى فقد ماتت القشرة التي تجعله يعرف انه أعمى. أردت أن ارد ساخرا يا سلام. ولكني بترتها في الوقت المناسب لتصبح yes بكل اجلال و احترام. و ربنا اعلم بالنوايا. أكمل الأستاذ حديثه ليس كل ما نراه ندركه. فأنت مثلا تفادي لوح الزجاج الذي يظهر أمامك فجأة قبل أن تراه و تسحب يدك من النار ثم بعدها تشعر بالألم. فهناك أجزاء في المخ تستقبل الإشارات من الأعضاء الحسيه في الجسم مثل العين و تقوم بإرسالها إلى أجزاء أخرى في المخ تقوم إما بربط هذه المعلومات بالمعلومات من أعضاء الحس الأخرى أو استخدام هذه المعلومات لإعطاء رد فعل كأن تفادي لوح الزجاج او لأعطاء قرارات سريعة كأن تقود سياراتك وأنت سارح و لا تصطدم بأي شئ مع انك لا تذكر إطلاقا ما اعتراضك في الطريق و كيف حللت تلك المعوقات. و ما يصل إلى وعيك اقل كثيرا جدا مما استقبلته و ما عرفته واثر عليك و ما يجري في عقلك أكثر كثيرا مما تعلم. فالمنطقة المعروفة حتى الآن بمسؤوليتها بشكل كبير عن وعيك بنفسك لا تتعدى منطقة صغيرة في الفص الأمامي من المخ. دخل حكيم الزمان بخطواته المتأنية و قال أتدري ما يعني ذلك؟ انه يعني أن قدراتك و تفكيرك و معرفتك اكبر كثيرا جدا مما تعرف أو تتصور و أن الله تعالى حين حرض على القتال حين تكون قوة الأعداء عشرة أضعاف قوتك ثم خففها إلى الضعف لم يكن يحملك ما لا طاقة لك به " "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين"..." الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين". " و يعني أن تستفتي الجزء الأكبر من عقلك و هو إحساسك و حدسك حين يعجز وعيك كما قال صلى الله عليه وسلم " استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك ". و يعني أيضا انك لا تعرف شيئا كثيرا عن نفسك و ليس من الحكمة أن تثق في ما لا تعرف و لذا امرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتقي الشبهات أي حتى الاقتراب من المحرمات . ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقول " يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك" فحتى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يثق في انه سيثبت على دين الله. تدخل الأستاذ قائلا: أتدري إن حالة المريض الذي يدرك انه أعمى تتحسن أسرع وأفضل من حالة المريض الأعمى الذي لا يدرك انه أعمى. ثم نظر في عيني و أضاف: تماما كحالة الطالب الذي لا يعرف انه جاهل فانه لا يتحسن أبدا. رددت على الفور: طبعا طبعا. هذا شرح واف مستفيض شديد العبقرية و العمق. ابتسم في زهو و استطرد: و هذا يحدث مع تلف أجزاء كثيرة في المخ فالمريض المشلول مثلا قد ينكر انه مشلول و ينكر وجود ذراعه المشلوله. بل و قد يستدعي الطبيب ليطلب منه أن يزيح ذراع ذلك المريض المقيم بجواره من سريره و هو يشير إلى ذراعه هو المشلولة التي لا يدركها. رد حكيم الزمان: و صدق الله تعالى " كذلك زينا لكل أمة عملهم . بعد ايام دخل الأستاذ القسم ليجدني امسك بسلك كهرباء عار و اهدد به معتقلا... اقصد مريضا و قد علقته مقلوبا و ربطته في السقف. صرخ. ماذا تفعل. أجبت: ذالك الوغد- سعادتك- يرفض الاعتراف انه يرى. و أنا شاهدته بنفسي و هو يسير و ظهر أمامه طفل فجأة و تفاداه. طلب الأستاذ الأشعة فوجد جلطة في مركز الأبصار. قرر قتلي صعقا بسلك الكهرباء لولا أن تشفع لي المريض. حررت المريض الذي قام يجري كأنما كتب له عمر جديد. و في عجلته كشف الوغد نفسه فقد تفادى كرسي. دخل الأستاذ الكبير جدا ليجد الأستاذ متلبسا بتعذيب المريض بسلك الكهرباء. حين أدرك السبب قتل الأستاذ بطلقة من مسدسه. صرخت: حرام على حضرتك المريض بيشوف فعلا. رد هذه الظاهرة تسمى blindsight وهي معروفة و قد تحدث في مثل هؤلاء المرضى. فالمريض فقد وعيه بما يراه و لكنه لم يفقد كل الرؤية. فقط فقد الجزء الواعي. فهو يرى ولكنه لا يدرك انه يرى ولا يدرك ما يراه وان كان يستخدم رؤيته في تفادي الأخطار مثلا. ردد المريض: فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور. .و تعالى صوت الكروان .