2009-11-04 01:32:17
صنعاء - تحقيق-علي مهدي: "أنتِ مصابة بسرطان الثدي" بهذه الكلمات المختزلة التي نزلت كالصاعقة المدوية فجعت "أم محمد" وأدركت أنها أصبحت أسيرة قاتل صامت وعرفت -ولكن متأخرا- أنها بدأت تسلك أقرب الطرق إلى الموت.
علامات الذهول والصدمة ارتسمت على وجهها عند إخبارها أن الفحوصات أظهرت أنها مصابة بسرطان الثدي، والذي بدأ في الانتشار في الغدد اللمفاوية والرئتين في مرحلة متأخرة جدا يصعب استئصاله بعملية جراحية، وربما أصبح شفاؤها منه أمرا مستحيلا.
وفي الوقت الذي كانت -بحسب إفادة ابنها- تستعجل إجراء الفحوصات لإجراء عملية لاستئصال غدة تعتبرها صغيرة في ثديها، بدأت تسبب لها متاعب ظهرت منذ سنوات، لكن النتيجة كانت عكس ما توقعت.
كثرة الفحوصات التي وجّه الأطباء أم محمد، 45 عاما، إلى إجرائها من فحص هرمونات وأنسجة وسيكولوجي وأشعة مقطعية وتلفزيونية استمرت أكثر من شهر لمعرفة نوع ومدى انتشار السرطان في جسدها النحيل، بحسب إفادة الطبيب المختص في المركز الوطني لعلاج الأورام لتحديد العلاج المناسب لحالة تأخرت كثيرا، وأصبحت أسيرة قاتل تشبث في جسدها رافضا الخروج أو الاستئصال.
إنه القاتل الصامت يقتل ضحيته بهدوء، وبدون سابق إنذار، ويتسلل دون أن يسبب ألما ما يجعله أخطر الأمراض فتكا وأكثرها سببا للوفاة بين النساء في العالم في ظل غفلة المجتمع، وعدم الاهتمام بأعراض وتغيرات بسيطة تظهر في الثدي، علاجها سهلا في البداية، والإهمال يؤدي إلى نتائج وخيمة.
أم محمد واحدة من مئات وربما آلاف الحالات المكتشفة، وآلاف الحالات غير مكتشفة ينتظرها مصير مجهول في صراع مع واحد من أشد الأمراض فتكا في اليمن.
وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) تسلط الضوء في هذا التحقيق على سرطان الثدي وطرق الوقاية منه، وذلك في إطار حملة التوعية العالمية بمخاطر سرطان الثدي، وضرورة الكشف المبكّر عنه.
إزاء الوعي المتدني في أوساط المجتمع، وخاصة النساء بخطورة هذا المرض وأهميّة الفحص المبكر يروي زوج امرأة في العقد الرابع من عمرها إحدى المترددات على مركز أورام الثدي وأبحاثه بمستشفى الكويت، أن ألما بدأ يظهر في ثدي زوجته، وباشتداد الألم لجأت إلى أخذ سكين وطعنت ثديها في محاولة لشق جزء منه أملا منها في إخراج ما يؤلمها، لكن الألم كان أقوى لينتهي بها الأمر في قسم الجراحة لمعالجة ما أحدثته في ثديها أولا.
حالات أخرى تلجأ إلى الطب الشعبي، وأخرى إلى المشعوذين؛ خوفا من معرفة مرض يعتبرنه وصمة عار أو إجراء عملية في ثدييها، ومعرفة الناس بمرضها خاصة المقدمات على الزواج، متجاهلة أخطار ومضاعفات المرض، والذي قد يفقدها حياتها مفضلة التستر على قاتل والتعايش معه وتحمل آلامه وربما دفنه بين التراب بعد انقضاء الأجل، وحالات أخرى تذهب للعلاج في الخارج، بعضها يعود، لكن بعد استئصال الثدي، وأخرى تعود جثة هامدة.
حالات الإصابة بسرطان الثدي في اليمن لم تقتصر على الكبيرات في السن، بل وصلت إلى نساء شابات لم يتجاوزن الثلاثين، والإحصاءات المسجلة للحالات المصابة بسرطان الثدي مرعبة، وأكثر منها غير مكتشفة، تدق ناقوس خطر يهدد الأسرة والمجتمع وتوجه نداء استغاثة لمواجهة قاتل فار من وجه العدالة.
هذا ما يؤكده المدير الفني في المركز الوطني لعلاج الأورام استشاري علاج الأورام بالإشعاع الدكتور علي عبدالله الأشول بالقول: إن عدد حالات الإصابة بسرطان الثدي في اليمن يكاد يكون مقاربا لعدد حالات سرطان الرأس والعنق.
وقال: "لا توجد إحصائية رسمية دقيقة بعدد الحالات المصابة بالسرطان في اليمن، وخاصة سرطان الثدي إلا أن إحدى الإحصائيات تقول إن حالات سرطان الثدي تمثل حوالي 16 بالمائة من إجمالي حالات السرطان باليمن".
وفي حين تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الأشخاص الذين يُصيبهم السرطان بشكل عام في اليمن يبلغ نحو20 ألف شخص سنويا، إلا أن عدد الحالات المسجلة في المركز الوطني لعلاج الأورام تتجاوز الـ17 ألف حالة.
ويقول رئيس عيادة التشخيص المبكر لسرطان الثدي في المستشفى الجمهوري بصنعاء الدكتور محمد الجولحي أمين عام جمعية أصدقاء مرضى سرطان الثدي: إن عدد الحالات التي وصلت إلى عيادة الكشف المبكر لسرطان الثدي منذ افتتاحها في 2007 للفحص بلغت 6900 حالة منها 220 حالة إصابة مؤكدة بسرطان الثدي، والحالات الأخرى تعطي رقما وموعدا لإجراء الفصح الدوري بعضها يواصل والأخرى لا تعود.
ويضيف أن الحالات التي تأتي إلى العيادة تكون متأخرة جدا، مشيرا إلى أن امرأة في العقد الثالث من عمرها حضرت إلى العيادة، وقد التهم السرطان ثدييها كاملا دون أن تخبر أهلها.
وعند الحديث عن سرطان الثدي كان لا بُد من التعريف بأعراضه، حيث يشير الدكتور الأشول إلى أن سرطان الثدي لا يعطي في أول ظهوره أي ألم أو مشاكل، ولكن مع تقدم الحالة يمكن أن يحدث كتلا أو تجمعات بالمنطقة المحيطة بالثدي، وتحت الجلد وتغيرات في حجم وشكل الحلمة والثدي، وإفرازات من الحلمة. وسرطان الثدي في اغلبه أكثر من 90 بالمائة يأتي على شكل ورم بدون ألم.
ومن أعراضه -كما يقول- ظهور تغيرات في لون وشكل جلد الثدي، ويصبح مثل قشرة البرتقال، يصاحبه تورم وسخونة في الثدي، ويكون لونه أحمر. منبها: "عند ظهور أي من هذه الأعراض يجب التوجه إلى الطبيبة المختصة وسرعة العلاج مبكرا".
ويتكون الثدي من الناحية الفسيولوجية -وفق أدبيات علمية- من الخلايا المفرزة المرتبة في فصيصات دقيقة والمسماة العنيبات، وهي الغدد التي تصنع الحليب، وتحمل شبكة من القنوات الحليب إلى الحلمة، وتحاط القنوات والغدد بالنسيج الداعم الدهني والليفي ويغطيها الجلد.
ويعتبر الثدي من أكثر الأنسجة المعرضة للسرطان لدى النساء فهو يشكل حوالي ربع حالات السرطان لدى النساء على مستوى العالم، والأورام السرطانية قد تنتج في النهاية من أي جزء من الثدي، وغالباً تلاحظ عند ما تشعر المرأة بكتلة (الكتل السرطانية تكون صلبة لا تختفي، وعادة خالية من الألم، ولكن في الغالب ليس دائماً، والغالبية العظمى من الكتل الثديية ليست سرطانية بل يكون معظمها كتلاً ليفية أو أكياسا).
ويقول الدكتور محمد الجولحي إنه لا توجد طريقة معينة لمعرفة سرطان الثدي من دون فحص أخصائي، والكتلة التي يبدو أنها تكبر لا تتحرك عند دفعها قد تكون كتلة سرطانية أو قد يكون سبب العقدة.. "ببساطة تغيرات ليفية كيسية طبيعية تحدث أثناء الدورة الشهرية".
إلى ذلك يؤكد رئيس وحدة التشخيص المبكر على أهمية الفحص الذاتي الدوري لتجنّب الإصابة بسرطان الثدي، ويتم الفحص الدوري شهرياً بعد انتهاء الدورة الشهرية بيوم واحد وطريقة فحص الثدي تتم في ثلاث مراحل الأولى: رؤية الثدي أمام المرآة لفحص أي تغيرات بهما، والثانية: تقوم المرأة بفحص ثدييها من خلال رفع اليد اليمني فوق الرأس، ويتم الكشف باستخدام راحة الأصابع الثلاث الوسطى لليد اليسرى بحركة دائرية على الثدي من أعلى إلى أسفل والضغط الخفيف على أنسجة الثدي وتكرر الطريقة على الثدي الأيمن.
والطريقة الثالثة: أن تستلقي المرأة على ظهرها وتفحص ثدييها بالطريقة السابقة نفسها، وقد تكتشف تغيرات عند الاستلقاء على الظهر أكثر من أي وضع، وإذا لاحظت المرأة أي تغيّر في الثديين يجب التوجه مباشرة إلى المستشفى، بالإضافة إلى قيامها بعصر كل حلمة برفق لمعرفة ما إذا كان هناك دم أو سائل أصفر مائي أو قرمزي.
ويضيف إلى ذلك الدكتور الأشول أن التوعية تلعب دورا هاما في سرطان الثدي؛ كون الفحص الدوري يساعد على اكتشاف المرض في المراحل المبكرة ويرفع كثيراً من احتمال التخلص نهائياً من المرض.
وفيما ما تزال أسباب الإصابة بسرطان الثدي غير معروفة على وجه التحديد إلا أن الدكتور الأشول يقول إن هناك عوامل تساعد على زيادة احتمال الإصابة بسرطان الثدي أو عوامل الخطورة، منها: عدم النشاط في الحياة اليومية في السرطان بشكل عام والثدي بشكل خاص، وكذا التلوث البيئي، ونوع الغذاء وزيادة الوزن المفرطة، وبعض الأبحاث تشير إلى أن المواد الدهنية الحيوانية وكذا التدخين يساهم في ظهور 40 بالمائة من السرطان بشكل عام.
كما تشمل هذه العوامل سن المرأة، حيث تزيد احتمالات الإصابة كلّما زاد سن المرأة والتاريخ المرضي للعائلة، إذا أصيب أحد أقارب المرأة (أم، أخت، أو بنت) خاصة قبل انقطاع الطمث، ويكثر احتمال الإصابة عند المرأة التي تحمل بالطفل الأول لها بعد سن الثلاثين، أو التي لم تحمل أبدا، وعدم الرضاعة وتناول الأدوية تحتوي على الهرمونات والبداية المبكرة للدورة الشهرية.
وتعتبر التوعية الصحيّة من أهم طرق الوقاية من سرطان الثدي وضرورة إجراء الفحص المبكر، والذي يشمل الفحص الذاتي للثدي وينبغي على كل امرأة من سن 18 إلى40 عاما القيام بالفحص الذاتي الدوري شهريا، وعلى كل امرأة تجاوزت 40 عاما إجراء فحص سريري عند طبيبة متخصصة مرة كل عام باستخدام الأجهزة المتطورة.
ويضيف استشاري علاج الأورام بالإشعاع الدكتور علي الأشول أن السرطان مشكلة يعاني منها الإنسان منذ القدم، ولم يفرق بين غني وفقير أو صغير وكبير ورجل أو امرأة، لكنه في الوقت الحالي ازداد فيما يتعلق بالعدد والأنواع نتيجة للمستجدات التي تحصل في العصر والتلوث البيئي والغذاء وتغيّر نمط الحياة والحياة الراكدة.
وقال "العلم حقق انجازات عظيمة فيما يتعلق بسرطان الثدي فقد اخضع للأبحاث، ووجد أن هناك ما يكون له علاقة وراثية، ولكن الأغلب بدون علاقة وراثية، وسرطان الثدي إذا تم اكتشافه في المراحل الأولى أصبحت إمكانية الشفاء منه كبيرة جدا، وهذا يعكس مدى الوعي لدى المواطن في الكشف المبكر".
وقال: "الإشكالية هي أن بعض النساء تشعر بتورم أو تغيرات في الثدي لكنها لا تحضر إلى المركز أو المستشفى، لأن الورم لا يؤلم، وهذا يدعوها إلى الاطمئنان وسرطان الثدي في أغلبه يأتي على شكل ورم بدون ألم، وبعض الحالات قد تظهر على شكل إفرازات من حلمة الثدي مصحوبة بدم، وفي هذه الحالة يجب أن تُعرض المريضة على الطبيب، وإذا لم تستجب للمضادات الحيوية يبدأ التفكير في فحص الخلايا التي تخرج من الحلمة".
وعن الحالات الغريبة التي تصل إلى المركز الوطني للأورام يقول الدكتور الأشول: إن بعض الحالات تصل وهي على شكل حكة حول الحلمة واحمرار وكأنها حساسية، وهذا أحد أنواع سرطان الثدي.
وحول طرق العلاج يقول: إن سرطان الثدي يدخل فيها أنواع كثيرة من العلاج، وفي الغالب يكون دور للجراحة والإشعاع والكيماوي حسب الحالة، وفي حال الانتشار تستجيب الحالة إذا كانت في المرحلة الأولى والثانية والثالثة، وفي المرحلة الرابعة يكون هناك فائدة من العلاج، لكن لا تصل إلى مرحلة الشفاء -للأسف الشديد.
وفيما يتعلق بالصعوبات التي تواجه المركز الوطني للأورام، الذي تتوافد عليه الحالات من مختلف محافظات الجمهورية، يقول الدكتور الأشول: إن أكبر مشكلة تواجه علاج السرطان بشكل عام الكلفة الكبيرة للتشخيص والعلاج، وهناك أدوية حديثة جدا يصعب على المريض وعلى المركز شراؤها، حيث يعمل المركز بموازنة لم تتغيّر منذ خمس سنوات، ناهيك عن ازدياد عدد الحالات التي يستقبلها، وكذا شراء الأدوية باهظة الثمن.
ورغم التنبه لخطر هذا المرض، حيث حذرت المؤسسة الوطنية للسرطان مؤخرا من انتشار سرطان الثدي بشكل كبير، وبدأت تنظم حملات توعية حول أهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي وطرق الوقاية منه بهدف تفادي الإصابة أو السيطرة عليه في وقت مبكر، إلا أنها ما تزال محدودة وبحاجة إلى تضافر جميع الجهود الرسمية والشعبية والمنظمات المدنية ووسائل الإعلام لتكثيف حملات التوعية بصورة مدروسة ووصولها إلى الأرياف لما من شأنه مكافحة مرض يهدد الأسرة والمجتمع ككل.
وزارة الصحة العامة والسكان أكدت استعدادها تقديم الدعم الكامل للحملة الوطنية للكشف المبكِّر عن سرطان الثدي التي ينظمها تحالف منظمات المجتمع المدني، والتي تستهدف في مرحلتها الأولى محافظات: صنعاء وعدن وتعز.
وأكدت وكيلة وزارة الصحة العامة والسكان الدكتورة جميلة الراعبي على ضرورة تضافر الجهود لتأييد الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وخلق شراكة حقيقية لتوعية المجتمع والتعريف بخطورة هذا المرض.
تؤكد الأبحاث الطبيّة أن حوالي 90 بالمائة من أورام الثدي ليست سرطانية وعلاجها سهل، لكن الإهمال والتأخير في التشخيص وعدم إتباع طرق الكشف المبكر، وكذا تأخر المصابات في مراجعة المستشفيات لفترة طويلة حتى بعد اكتشاف كتلة غير طبيعية في الثدي يؤدي إلى نتائج وخيمة.