2010-07-29 06:49:52
حوار: داليا حسن رمضان - مروة عبد الحليم
استطاع بكل إصرار وحماس أن يصل إلي العالمية ومع ذلك فقد رفض كل الإغراءات المادية والمعنوية التي قدمت له والتي يصعب علي أي إنسان أن يرفضها..يؤمن بأن أفضل أصدقاء الإنسان هم أصدقاءه القدامى ..التحق بالطب إرضاءً لولديه فأصبح عالماً من علماء التشريح إنه الدكتور محمد توفيق الرخاوى
حصلت علي الدكتوراة بعد عام ونصف فقط
رفضت أغراءات أمريكا خوفاً على أولادي
نقل الأعضاء يجب أن يتم بعد وفاة المريض بحوالي 28ساعة كحد أقصي
"الجهاز العصبي" أحب الكتب إلى قلبي
هو أستاذ ورئيس قسم التشريح والهوستولوجي بالقصر العيني سابقا وحاليا مقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين بقسم التشريح والهوستولوجي، ولقد كان من دواعي سرورنا إن نلتقي بالدكتور الرخاوى وكان لنا معه هذا الحوار:
*في البداية نحب نتعرف علي الدكتور الرخاوى ؟
أنا من مواليد قرية هورين –سنطة الغربية محافظة المنوفية يوم 4/9/1934م، متزوج من الدكتورة رشيقة محمود مديرة مستشفي النزهة سابقا، ولدي من الأبناء عمرو ودينا، تخرجت وحصلت علي الماجستير من جامعة عين شمس ثم ذهبت في بعثة إلي أمريكا لأحصل الدكتوراة ثم عدت إلي جامعة عين شمس مرة أخري وظللت بها لفترة قصيرة ثم ذهبت لأعمل كرئيس قسم التشريح في القصر العيني وقد كان القصر العيني في ذاك الوقت هو الجامعة الأم، ولقد واجهتني مشكلة في ذلك الوقت فأصدقائي القدامى جميعهم في جامعة عين شمس كما إنني أؤمن بالمثل الإنجليزي الذي يقول (إن أفضل أصدقاء الإنسان هم أصدقاءه القدامى ) إما في القصر العيني فأنني لم أكن اعرفهم معرفة جيدة، ولكنني عندما ذهبت للقصر العيني وقمت برئاسة قسم التشريح بفرعيه (التشريح والهوستولوجي ) لمدة 18عاما وذلك لأنهم أعجبوا بي كثيرا لأنني استطعت بكل إصرار إن أدير الفرعين معا علي أكمل وجه وذلك كان علي الرغم من إن أقصي مدة يستطيع إن يمكث فيها أي رئيس قسم هي 3سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة اى إن أقصي مدة لرئيس قسم هي 6سنوات، وهذا ما حدث فعلا فلقد كان قسم التشريح بفرعيه مدموجين كقسم واحد ولقد رأسته علي ذلك 3سنوات ثم جددت مرة واحدة، ثم قاموا بفصل القسمين عن بعضهما فقمت برئاسة قسم التشريح 3سنوات ثم جددت مرة واحدة، ثم في النهاية قاموا بدمج القسمين مرة أخرى فتوليت رأستهما لمدة 3سنوات ثم جددت مرة أخرى، وهكذا ظللت بالقصر العيني لمدة 18عاما، ولقد كنت طيلة هذه السنوات اذهب إلي العمل قبل صلاة الفجر حيث أصليه جماعة في احدي المساجد الشهيرة مثل الحسين – السيدة زينب.......الخ أو حتى في مكتبي فقد كان الاستيقاظ مبكرا وصلاة الفجر يمنحاني نشاطا وقوة تكفي لبقية اليوم، ثم اذهب ألي العمل بعد صلاة الفجر مباشرة في حين أن مواعيد العمل الرسمية تبدأ من الساعة الثامنة صباحا وتنتهي في الخامسة مساءا ولكنني كنت أظل اعمل حتى الساعة الثامنة مساءا، ويرى الدكتور إن اسوأ لحظات في حياة الإنسان أن لا يكون قادرا علي فعل عمل يحبه، وان السعادة الحقيقية هي أن تستطيع أن تنتج شيئا يستحق العمل من اجله وان يكون هذا العمل خالصا لوجه الله تعالي.
*هل هناك أسباب شخصية جعلت الدكتور الرخاوى يتجه لدراسة الطب وخاصة علم التشريح؟
الحقيقة إنني لم أفكر مطلقا في دراسة الطب ولكنني درست الطب ارضاءا لأبي وأمي اللذان أرادا لأخي الأكبر أن يدرس الطب ولكنه اتجه ألي دراسة التجارة وتفوق فيها وأصبح وكيلا لوزارة التجارة، ولكن بالرغم من هذا فان أبي وأمي تضايقا لأنه لم يصبح طبيبا كما أرادا له ولهذا التحقت بكلية الطب ارضاءا لهما فانا في تلك الفترة لم تكن لدي اى ميول علمية أو أدبية، لذلك عندما نجحت في الثانوية العامة بتفوق قررت أن التحق بكلية الطب، وهناك وجدت أن كلية الطب بها العديد من التخصصات باطنة، رمد، نساء وتوليد وتشريح........الخ، وكان زملائي في كلية الطب يريد أن يصيح طبيب في تخصص ما فمنهم من يريد أن يصبح طبيب أسنان أو طبيب نساء وتوليد أو أي تخصص آخر عدا قسم التشريح، إما أنا فلم يكن لدي أي ميول ناحية تخصص بعينه، وهناك في كلية الطب بدأت ميولي تتجه إلي علم التشريح دون أن اقصد فقد بدأت اهتم به واسأل عن كل ما يخصه حتى افهم ما ادرسه حتى أن أستاذتي كانوا يتضايقون مني من كثرة أسئلتي حتى صلت ألي السنة الثانية ولم أكن تخصصت بعد فعرض علي أستاذي وصديق والدي الدكتور أبو النجا أن اعمل معه فلم ابدي رأيي وانتهي الموضوع حتى وصلت ألي سنة الامتياز حيث يجب أن أتخصص ففوجئت بالدكتور أبو النجا يقابل والدي ويشكو له من أنني لم أتخصص في قسم التشريح كما طلب مني هو، وعندما اخبرني والدي وهو متذمر مني لأنني ضايقت أستاذي ذهبت إلي الدكتور أبو النجا وأخبرته أنني لم اختر بعد التخصص الذي سوف أتخصص فيه وأنني موافق علي أن أتخصص في علم التشريح، وفي اليوم التالي أخذني إلي مدير الجامعة وقدم لي طلب بتعييني في قسم التشريح ووافق مدير الجامعة وعينت في قسم التشريح ثم بعد ذلك بعثت إلي أمريكا لأعمل دبلومة مدتها خمس سنوات وهناك حصلت علي الدكتوراة في سنة ونصف فقط من جامعة هربر الجنوبية ومما ساعدني أن الإمكانيات متاحة هناك علي عكس مما هو موجود في مصر، فهناك إذا أردت شيئا من مواد وأدوات فانك تحصل عليها في اليوم ذاته، وعندما حصلت علي الدكتوراة بعد سنة ونصف فقط ذهبت إلى أستاذي الذي أخبرني بأنه يمكنني أن أكمل دراستي فيما بعد الدكتوراه خلال الثلاث سنوات ونصف الباقية كما طلب منى أستاذي في أمريكا أن أبقى في أمريكا وأن أعمل هناك وسوف أصبح رئيس قسم الجهاز العصبي في التشريح ومن يومها بدأت الإغراءات تعرض على لكي أبقى في الخارج، ولكنني كنت أرفض تلك العروض نظراً لكوني رجل شرقي، فالعادات والتقاليد في الخارج تختلف عن عاداتنا وتقاليدنا فإنك في الخارج لن تستطيع أن تتحكم في تربية أبنائك كما هو الحال في مصر، وهناك مثل يقول "إذا كنت في روما فافعل كما يفعل أهل روما" ولذلك رفضت خوفا على أبنائي من العادات والتقاليد في الخارج
*بعض الناس لا تعرف ما هو التشريح ؟ وما أهميته؟
علم التشريح هو العلم الذي نعرف عن طريقه أين المرض، وماهو نوعه، وبالتالي يمكننا معرفة العلاج
والتشريح ثلاث أنواع: تشريح عياني، تشريح ميكروسكوبي، تشريح تفصيلي وهذا الأخير يدرس أدق التفاصيل في الجسم البشرى
*ما رأيكم في عملية الاستنساخ؟
أجاب الدكتور بأنه يعتبر طفرة حضارية ولكن تعوقه كثيرا من المشاكل الدينية، وأضاف أن التجربة الأولى للاستنساخ (النعجة دوللى) كانت تجربة رائعة ولكن عاقتها مشكلة مهمة وتتلخص هذه المشكلة في أن النعجة كان من المفترض أن تعيش (10) سنوات ولكن عملية الاستنساخ حدثت بعد أن كان عمر النعجة الأم (8) سنوات ولذلك لقد عاشت النعجة دوللى سنتين فقط.
*وما رأيكم في زراعة الأعضاء؟
أن زراعة الأعضاء عملية معقدة جدا وذلك لأنه ليس هناك ما يثبت بالدليل القاطع إن إنسان قد مات، فقد يكون الشخص ميت إكلينيكيا اى انه مازال علي قيد الحياة وقد يفيق ويصبح بصحة جيدة ويعيش لعدة سنوات أخري، ولذلك فانا أفضل إن تكون زراعة الأعضاء في المناطق غير الحيوية في جسم الإنسان مثل الذراع –الدماغ......الخ، وان نبتعد عن الأعضاء الحيوية مثل النخاع –المخ......الخ
*هل يجب أن تتم عملية التشريح بعد الوفاة مباشرة ؟
لا فعملية التشريح من الممكن أن تتم بعد الوفاة بحوالي 24ساعة، فهي يجب أن تتم قبل أن ينهار الجسم، ولكن المشكلة أن هناك خلايا في الجسم تنهار قبل الأخرى وهي تلك الخلايا التي لا تحتوى علي شرايين وأوردة دموية فمثلا القرنية عضو لا يحتوى علي اى شرايين أو أوردة دموية ولذلك فهو يمكن نقله في اى وقت، أما الكبد فانه يحتوى علي أوردة وشرايين دموية ولذلك فان الكبد إذا تليف فانه لايمكن زراعته ابدآ، ولهذا فان نقل الأعضاء يجب أن يتم بعد وفاة المريض بحوالي 28ساعة كحد أقصي
*ما اغرب المواقف التي مرت عليكم في غرفة التشريح ؟
هو رفض بعض الجثث للتشريح، فبعض الجثث عندما نوصلها ونتركها حتى لو لدقيقة واحدة نعود لنجد الجثث منزوعة المحاليل، وفي هذه الحلة يكون التصرف الامثل هو أن نأخذ تلك الجثث وندفنها مرة أخرى وهذا نادرا جدا ما يحدث
*ماهي أصعب المواقف التي مرت علي حضرتك ؟
لا توجد مواقف صعبة غير بعض المشايخ الذين كانوا ينظرون إلي التشريح علي انه محرم شرعا وقد يصل بهم التعصب إلي إحلال دم أطباء التشريح
*لقد قمتم بتأليف كثير من الكتب والمراجع العلمية منها علم الأنسجة، علم الأجنة، الجهاز العصبي، الصدر والقلب، الطرف العلوي، الطرف السفلي، الرأس والعنق فما هو الكتاب الذي تعكف حضرتك علي كتابته حاليا ؟
حاليا أقوم بكتابة مجموعة من الكتب الطبية ولكنها أكثر تحديدا ودقة في الدراسة، فمثلا الجهاز الهضمي لن ادرسه كجهاز ولكنني سأدرس البطن علي حدة والأمعاء الدقيقة علي حدة والأمعاء الغليظة علي حدة.......... وهكذا
*ماهو أحب الكتب إلي قلبك ؟
الجهاز العصبي لأنه أصعب الكتب التي قمت بكتابتها، فجسم الإنسان يتكون من جلد يليه عضلات يليها عظام ثم الأعصاب، أما الجهاز العصبي فانه يختلف في تكوينه عن باقي أجزاء الجسم فهو يتكون من المخ والمخيخ يحيط بهما مادة رمادية وأخرى بيضاء
*هل حقق الدكتور الرخاوى كل أحلامه ؟
لقد حققت الكثير من أحلامي ولكني لم اندم علي مالم استطع تحقيقه فهناك أحلام منعتني ظروفي من تحقيقها
*وما هو الحلم الذي تتمني تحقيقه ؟
أتمني أن يتم تعريب المواد الطبية لان اللغة التي نتحدث بها نحن العرب هي العربية، ولذلك هناك الكثير من المصطلحات الطبية التي لا نفهمها، وهذا يجعل طلبة الطب الذين هم أطباء المستقبل غير قادرين علي استيعاب المواد الطبية، ولهذا فانا أتمني أن يتم تعريب المواد الطبية حتى يستطيع كل عربي استيعاب تلك المواد
*ماهي العوامل التي يجب توافرها في الإنسان الناجح والطبيب الناجح علي الأخص ؟
هي أن يكون العمل خالصا لوجه الله تعالي، أن يقدر الإنسان العمل الذي يعمله وان يستغله الاستغلال الامثل، وان يدرك الإنسان أن الله سيجازيه علي عمله
*ماهي نصيحة الدكتور الرخاوى للشباب ؟
أن يداوم علي الكفاح فيما يحب ويقدر عليه لان هذا يمنحه الحياة، وبدون ذلك الحياة لامعني لها
*مهنة الطب تسرق الطبيب من حياته الشخصية فكيف تغلب الدكتور الرخاوى علي تلك المشكلة ؟
إن مهنة الطب لا تسرق الإنسان من حياته الشخصية، ولكن الفرق بينها وبين المهن الأخرى أن الإنسان في المهن الاخري يستطيع أن يتحكم في وقته، أما الطبيب فلا يستطيع أن يتحكم في وقته فهو ليس ملك نفسه، فالمريض هو الذي يتحكم في وقت الطبيب فالمرض ليس له وقت معين، لكنني والحمد لله استطعت أن أوازن بين الأسرة والعمل .
*كيف يقضي الدكتور الرخاوى يومه ؟
اقضي يومي كله في الكتابة والتأليف ووسط أسرتي، فقد ورثت حب الكتابة والتأليف من والدي الذي عشق التأليف حتى انه قام بكتابة الرسائل التي أرسلتها إليه من الخارج في كتاب اسماه (صفحات من حياة محمد ) وقام بنشر هذا الكتاب، والطريف في الآمر أن الناس اعتقدوا أن هذا الكتاب عن حياة الرسول (ص) حتى اكتشفوا أن هذا الكتاب عن حياتي