التشنجات اللاإرادية .. أعراضها وكيفية التعامل معها
2009-12-19 05:47:22
عاصر الكثير منا ذات مرة خلال حياته شخصاً يتنحنح باستمرار أو يقطب جبينه أو يغمز بعينيه بصورة لا إرادية أو يصرخ بشكل خارج عن السيطرة.
وغالباً ما تكون هذه التشنجات اللاإرادية ( Tic ) أعراضاً لاضطرابات مؤقتة، غير أنها قد تتحول في بعض الأحيان إلى اضطرابات مزمنة تستلزم العلاج.
ويمكن للأدوية أن تخفف من وطأة هذه التشنجات اللاإرادية، كما أن العلاج السلوكي يمكنه أن يساعد على التعايش مع هذه الاضطرابات بصورة أفضل. جدير بالذكر أنه لا يمكن الشفاء من هذه التشنجات، وإنما يمكن فقط متابعتها والتخفيف من حدتها.
ويقول البروفيسور فيت روسنر مدير العيادة النفسية للأطفال والمراهقين بالمستشفى الجامعي في دريسدن شرقي ألمانيا :«التشنجات اللاإرادية هي عبارة عن تقلصات عضلية تتكرر بشكل متقطع وغير منتظم». وتتمثل التشنجات اللاإرادية في صدور حركات أو أصوات لا إرادية، لذا يمكن تقسيمها إلى تشنجات حركية وتشنجات صوتية. إلا أن هناك بعض المرضى الذين يعانون من كلا النوعين في آن واحد، وهو ما يعرف علميا باسم «متلازمة توريت». ويشير روسنر إلى أن الربط ما بين متلازمة توريت والتفوه بألفاظ بذيئة لا ينطبق إلا على عدد قليل جداً من المرضى.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية المرضى المصابين بهذا المرض من الأطفال والشباب. وفي هذا الصدد يقول البروفيسور الألماني روسنر :«ما يصل إلى 20 % من الأطفال في مرحلة التعليم الأساسي يعانون من تشنجات لا إرادية مؤقتة». وتمتد هذه التشنجات اللاإرادية المؤقتة لمدة سنة على أقصى تقدير. وعند حدوث التشنجات اللاإرادية للمرة الأولى، فإنها تصيب غالباً الوجه، حيث يغمز المريض بعينيه أو يقطب جبينه بشكل لا إرادي أو يتنحنح باستمرار. ويلفت روسنر إلى أن عدد الأطفال والشباب المصابين ينخفض إلى حوالي 3 إلى 4 % بعد مرحلة التعليم الأساسي.
وتُصنف الحالات التي تستمر لديها أعراض التشنجات اللاإرادية لأكثر من سنة كـ "حالات مزمنة". وفي هذه الحالات تنتقل التشنجات من الوجه لتصيب الأطراف ومن ثم تصبح أكثر خطورة. وعلى الرغم من أن هذه التقلصات غالباً ما تتباطأ، غير أنها تصيب في الغالب مزيداً من عضلات الجسم.
ويوضح يورغن فيلد من رابطة أخصائي علم النفس الألمان بالعاصمة برلين أن الضغط العصبي يمكن أن يتسبب في زيادة حدة التشنجات اللاإرادية، مشيرا إلى أن الدراسات العلمية لم تتوصل حتى الآن إلى سبب محدد لحدوث هذه التشنجات. وعن سبب حدوث هذه التشنجات تقول كارمن غريغر من رابطة مساعدة مرضى التشنجات اللاإرادية ومتلازمة توريت بمدينة بريمن شمال ألمانيا :«في بعض الأسر يرجع السبب إلى الاستعداد الوراثي». وبشكل عام يمكن أن يتعرض أي شخص للإصابة بالتشنجات اللإإرادية، غير أن احتمال الإصابة يكون وارداً في سن الطفولة أكثر من سن البلوغ. ومثلما تحدث هذه التشنجات بصورة تلقائية، يمكن أن تزول أيضاً من تلقاء نفسها.
ويتكون لدى بعض المرضى إحساس مسبق يمكنهم من استشعار قدوم التشنجات قبل حدوثها. وهنا يقول روسنر :«هو إحساس مشابه لما يشعر به الإنسان قبل العطس». ويشعر المرضى البالغين بصفة خاصة بنوع من أنواع التوتر الداخلي والقلق أو حكة. ويمكن الاستفادة من ذلك في تدريب المرضي على إدراك هذه التشنجات بشكل مسبق، كي يتمكنوا من استشعار التشنجات الوشيكة وقمعها.
ويعاني المرضى كثيراً بسبب مضايقة الآخرين لهم وسخريتهم منهم سواء في الشارع أو في المدرسة، مما يتسبب في زيادة وطأة الآلام لديهم ويصيبهم بالخوف من مواقف كثيرة يمكن أن يقعوا فيها فريسة لسخرية الآخرين. فعلى سبيل المثال قد يقع الطفل في حرج بالغ إذا ما هز كتفيه دون قصد مثلاً أو إذا صدرت عنه أصوات عالية بشكل لا إرادي، ما أدى إلى حدوث ضوضاء داخل الفصل الذي يغلفه الهدوء. وتقول كارمن غريغر :«تقليد الآخرون للتشنجات اللاإرادية بدافع السخرية يمكن أن يتسبب في استثارتها».
وبالطبع يمكن أن يكون لمثل هذه المواقف تأثير سلبي على إدراك المريض لذاته. وهنا تتضح أهمية العلاج السلوكي، حيث يتعلم المريض استراتيجيات تتيح له التصرف في مثل هذه المواقف بشكل يعكس ثقته بنفسه. وبحسب أخصائي علم النفس الألماني يورغن فيلد يتمثل التصرف الأمثل هنا في طرح السؤال التالي على من يسخر منه :«نعم، لدي تشنجات لا إرادية، ماذا تريد إذناً؟». وبما أنه لا يمكن التحكم في الحركات والأصوات اللاإرادية، فيتعين على المرضى أن يتحملوا عبء مضايقات المحيطين بهم. ويستطيع الآباء حماية أطفالهم من مضايقات الآخرين لهم بإطلاع مدرس الفصل في أسرع وقت ممكن على حقيقة مرض الطفل بهذه التشجنات اللاإرادية، كي يتفهم المدرس الحركات والأصوات الصادرة عن الطفل ولا يعتبرها سوء سلوك يستحق عليه العقاب.
د.ب.ا