ميديكا ميد يا .. ثورة الإعلام أم إعلام الثورة بقلم د. نادية النشار
2011-05-18 11:17:34
لست دكتورة بسماعة و بالطو وغرفة عمليات وجهاز لقياس الضغط والسكر , لكنني دكتورة بميكروفون وسماعات واستوديوهات وأوراق بحثية في التنمية وقلم , فهل يمكن أن أشارك مع أطبائكم في علاج الألم؟
أعلم أنني اكتب الآن في جريدة طبية متخصصة ويقيني يزداد بدور الإعلام والتنمية البشرية وهذا تخصص أراهن عليه في تشخيص أمراض المجتمع وقياس أسباب ارتفاع الضغط وانخفاضه بقياس ردود أفعال الجمهور تجاه ما يحدث وعلاج العديد من الأمراض الاجتماعية بالكشف والمصارحة وطرح الحقائق بشفافية ومصداقية عالية تلاءم المرحلة, بل ووقاية المجتمع في مرحلة متقدمة من الممارسة الإعلامية من المشكلات قبل وقوعها.
لكن هل يفعل إعلامنا ذلك؟؟؟
هل من المفيد أن نجد إعلامنا هو إعلام الثورة أم أن نجد ثورة في الإعلام ؟ و الفارق كبير.
إعلام الثورة كما رأيناه خرج فقط من حالة خدمة النظام السابق بالطنطنة والخوف الى خدمة ثورة بالكلام الرنان والمزين بطموحات وأحلام تجر الشعب الى حالة من الترقب لنتيجة الثورة كما كان يترقب نتائج مباريات المنتخب المصري لكرة القدم,أعلام يسير وفق نفس التربية التي تربى عليها فهو يستجدي الرضا من الثورة والشعب, مما دفع الجمهور لإعداد صياغات كوميدية انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي متهمة المع الأسماء على الساحة الإعلامية بالتحول والنفاق, اما باقي الجمهور فأصابه الإحباط من الإعلان المبكر لنتيجة المباراة من وجهة النظر الاقتصادية والأمنية التي تمس كل مواطن فالحال كما كان عليه وأسوأ, هذا هو إعلام الثورة الشائع مع استثناءات مهنية معدودة أعدت نفسها بجهود ذاتية لمواجهة الحدث الجلل.
إن ما يحتاجه الإعلام الآن هو ثورة الإعلام لنتجه نحو التغيير الحقيقي وإعادة تعريف للقيم الإعلامية في كل المؤسسات الإعلامية الفضائية والأرضية العامة والخاصة المسموعة والمقروءة والمرئية نحتاج ثورة تدفع الإعلام نحو المهنية الحقيقية والاحتراف لمواجهة قضايا ومشاكل بل دعونا نقول أمراض المجتمع التي ورثناها منذ عقود وتغلغلت داخل كل المؤسسات بما فيها المؤسسة الإعلامية التي في نفس لحظة علاجها ومحاولات إصلاحها مطلوب منها أن تعالج وتناقش ما يمر به المجتمع الان . هي مؤسسات في لحظة حرجة وفارقة , أثناء الإفاقة مطلوب أن تكون في كامل وعيها ؟ كيف؟
تشير المراجع الأساسية في سلوك المؤسسات إلى احتياج المؤسسات في مراحل التغيير وإعادة الصياغة الى :
- تكسير الوضع الراهن ولابد هنا من الإحساس بشيء هام ودافع لهذا التكسير لعدم ملائمة الثوابت لما صار عليه الوضع الجديد, واستبعاد العناصر التي لا تتوافق معه.
- التحرك في اتجاه الأهداف الجديدة بوضع معايير جديدة وأهداف تلاءم الأوضاع الحالية.
- إعادة التجميد لإبقاء الوضع الجديد والحفاظ عليه واحترام القوانين الجديدة والحسم في هذا الاتجاه .
نحن نحتاج الآن في الإعلام بمؤسساته كلها إلى قرارات حاسمة وإدارات واعية بالأهداف الجديدة وتنفذها بقناعات وظيفية ومهنية تدفع المجتمع للبناء لا للهدم, خاصة في هذا العصر الذي أصبح الإعلام مهنة كل مواطن يمتلك حسابا على شبكات التواصل الاجتماعي أو فلنقل شبكات الإعلام الاجتماعي
ثم تتطلب ثورة الإعلام ثورة توازيها في مؤسسات الدولة التي ينبغي ان تتيح للإعلام المعلومات التي كانت محظورة سابقا فتفتح الباب للشائعات فيصبح المجتمع عرضة للتعامل مع الشائعة الملفقة باستسلام لأسباب تتعلق بطبيعة دراما الشائعات التي تصاغ بما يلاءم الاحتياجات النفسية للمجتمع, يحتاج الإعلام لتدفق في المعلومات من كافة الاتجاهات ليتم التعامل مع المعلومات أكثر من التعامل مع الآراء , فعرض المعلومات يبني الآراء لدى الجمهور , اما الاكتفاء بعرض الآراء فهو امر يستعدي المجتمع على بعضه بين مؤيد ومعارض مع وضع في الاعتبار اننا لم نتهيأ بعد لاستقبال المعلومة على انها معلومة واستقبال الرأي على انه رأي . نحن نستقبل الإعلام بنظام الشروة فنقول سمعنا وقرينا وشوفنا ولا نصنف ما نتعرض له .
لا يملك الإعلام العصا السحرية لصناعة التغيير لكنه يملك ان يرتب الاولويات ويحدد الأهداف ويشحذ المجتمع باتجاهات رئيسية ,
الإعلام طلقات رصاص وقنابل مولوتوف , الإعلام مسكنات ومهدئات يتعاطاها الجمهور , الإعلام أيضا عمليات جراحية حاسمة نلجأ إليها لنبقى على قيد الحياة.
د. نادية النشار