فى آخر حوار مع الراحل د. مصطفى محمود.. الطب كان دليلى إلى الله !!
2009-11-03 10:01:38
القاهرة – : فى هذا الحوار الخاص جدا حاولنا فتح باب الذكريات مع د. مصطفى محمود حول سبب دراسته للطب واثر الدراسة على حياته ؟ وهل راوده الحنين لممارسة دور الطبيب مرة أخرى ؟ وما السبب وراء إنشاء مستشفى محمود التى تضم نخبة من كبار الاطباء ؟
دراستى للطب وراء نظرتى التأملية والفلسفية للكون
أدين لنجاح برنامجى العلم والإيمان لدراستى الطبية
لهذه الأسباب الأطباء هم ملائكة الرحمة فى الأرض
أجمل 6 سنوات فى عمرى قضيتها كطبيب
د. مصطفى محمود المفكر الاسلامى والأديب المعروف ، وصاحب البرنامج الشهير العلم والإيمان ربما لا يعرف الكثيرون انه بدأ حياته العملية كطبيب بعد تخرجة من كلية الطب القصر العينى ، ورغم ميوله الادبية منذ الصغر ، وأنه قَضى 6 سنوات من حياته ومؤلفاته ونظرته التأملية والفلسفية للكون ، وفى هذا الحوار الخاص جدا حاولنا فتح باب الذكريات مع د. مصطفى محمود هو سبب دراسته للطب واثر الدراسة على حياته ؟ وهل راوده الحنين لممارسة دور الطبيب مرة أخرى ؟ وما السبب وراء إنشاء مستشفى محمود التى تضم نخبة من كبار الاطباء ؟ وغيرها العديد من الأسئلة التى أجاب عنها د. مصطفى بصراحة .. فإلى نص الحوار..
-الطفل أبو الرجل هذه مقولة انجليزية تؤكد على أن النشأة والبيئة تؤثر فى الإنسان واحيانا تحدد مستقبله فماذا عن البيئة التى نشأ فيها د. مصطفى محمود ؟
نشأت فى عائلة متوسطة بمدينة شبين الكوم محافظة المنوفية شمال القاهرة عام 1921 لأب يعمل موظفا بمديرية الغربية ، وأم ربة منزل ، عشت مرحلة الطفولة التى كانت مليئة بالاحلام فدائما ما كنت احلم بان اكون مخترعا عظيما أو مكتشفا عبقريا أو عالما مشهورا ، لكن للأسف عانيت فى مرحلة الطفولة فكثيرا ما كنت أرقد فى المستشفى لشهور حاولت استغلالها فى القراءة بانتظام فى الأدب والفكر العربى والغربى ، وتكونت بداخلى شخصية المفكر المتأمل وولد الكاتب الأديب فى هذه الفترة .
-رغم ميولك الأدبية إلا أنك قررت دخول كلية الطب وليس الآداب مثلا ؟
بالفعل فبعد حصولى على الثانوية العامة مرض والدى وأصيب بالشلل وشعرت بالعجز أمام معاناته ، فأنا كنت اعشق هذا الأب وكنت مرتبط به كثيرا ، وكانت صدمتى الكبرى انه توفى بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة ، فقررت وقتها دخول كلية الطب فمجموعى وقتها كان يسمح لى بذلك وشعرت ساعتها أنها ترضى فضولى وتطلعى إلى العلم ومعرفة الأسرار بالإضافة إلى رغبتى فى خدمة من أحبهم والتخفيف من آلامهم وهو ما عجزت عن فعله مع اعز إنسان بالنسبة لفى وهو والدى ....
-وكيف تعاملت مع دراسة الطب خاصة وان دراسة صعبة وتحتاج إلى إرادة وتركيز ؟
بالفعل كان قرار دخولى كلية الطب من أصعب القرارات فى حياتى لأسباب عديدة أو لها فترة الاكتئاب والإحباط والحزن التى كنت امر بها نتيجة لفقدان والدى ، ثانيا: انتقالنا من مدينتى شبين الكوم للاقامة فى القاهرة حيث وجود الكلية وهو ما كان وقتها مغامرة فى ظل محدودية معاش والدى ، وهو ما اضطرنى للعمل بعد انتهاء اليوم الدراسى لمواصلة مشوار الحياة والانفاق على الأسرة .
-وهل نجحت فى تحقيق هذه المعادلة الصعبة فى التوفيق بين العمل والدراسة ؟
احمد الله نجحت فى ذلك ، وبدأت أحب دراسة الطب خاصة بانها ساعدتنى على اكتشاف الإنسان سواء من الناحية الفسيولوجية أو السيكولوجية ، وعندما التحقت بالكلية أصبحت مغرما بعلم التشريح ، لدرجة اننى كان عندى معمل خاص بى فى البيت ، وانا مازلت فى السنة الأولى ، واذكر فى اجازة نهاية السنة الدراسية الأولى اننى اشتريت مخ إنسان ونصف جسد معالج بالفورمالين واحتفظت بهما فى حجرة نومى لاشرحهما واعرف تفاصيل مخ الإنسان واكتشف أسراره .
-قضيت اكثر من 6 سنوات كطبيب فماذا افادتك ولماذا هجرت الطب ؟
هذا السؤال من أصعب الأسئلة لانه محور حياتى ، فانا ادين لدراستى للطب بنظرتى التأملية والفلسفية للكون لانها خلقت بداخلى إنسان جديد ، وفجرت العديد من التساؤلات الفلسفية والتى تبدأ من معتقدات ثابتة وتنتهى بالايمان المطلق بوجود الخالق ، باختصار الطب كان دليلى إلى الله سبحانه وتعالى واعجازه الكونى ، فالطبيب اكثر البشر معرفة بأسرار الله فى خلقه وإعجازه ، لما يراه من نظام ودقة داخل تركيبة الإنسان وأجهزته وأعضائه ، وقد انعكست هذه السنوات على معظم كتاباتى مثل " لغز الموت " و" لغز الحياة " و " عنبر" وغيرها من المسرحيات والكتب الأدبية والفكرية ، فالطب فتح أمامى جميع أبواب الفكر وأثار جميع الاسئلة مما ساعدنى كثيرا فى تطور شخصيتى الأدبية والفكرية والفلسفية ، والاسلامية أيضا وهناك كتب مثل "علم نفس قرانى " و" القرآن محاولة لفهم عصرى" .
أما الجزء الأخير من السؤال عن هجرتى للطب فأصدقك القول أننى وجدت أن مهمتى اكبر من دورى كطبيب سواء فى مجال الكتابة الأدبية أو الفكرية أو الفلسفية أو الإسلامية وهو ما كنت اشعر باستمرار بالتقصير طوال ممارستى كطبيب حيث لا يوجد لدى وقت ، وكانت لدى أفكار كثيرة أود طرحها ومناقشتها لذلك قررت ترك الطب والتفرغ للكتابة والإبداع وأيضا للشئون الإسلامية وبرنامجى العلم والإيمان .
-ما هو الخيط الرفيع الذى يجمع بين الطب والأدب والفكر من وجهة نظرك ؟
كلاهما وجهان لعملة واحدة ، فهناك علاقة بين الطب والأدب ، فالطبيب يتعامل مع جميع طبقات المجتمع فهو يتعامل مع الإنسان بكل معاناته وإمراضه ومشاكله وقضاياه ، ويستطيع الطبيب الوصول إلى أعمق الأسرار ، والمريض يكون فى لحظة صدق أو تعرية لا يكذب ولا يتحمل أمام الطبيب لذلك تجده يبوح بأدق الأسرار ، إلى جانب إن الطبيب هو الشخص الوحيد الذى يحضر لحظة الميلاد والموت وكل هذه الأمور تجد للأديب والمفكر يبحث عنها وتكون محور كتاباته ، وانا وجدتها عن قرب من خلال دراستى للطب .
- أيهما تفضل أن يطلق عليك أديب ام طبيب ام مفكر أو كاتب اسلامى ؟
رغم حبى واعتزازى بلقب طبيب ورغم أن الصيغة العالبة على كتاباتى هى الصيغة الإسلامية ولكنى أفضل لقب مفكر لان هذه الصفة هى العنصر المشترك فى حياتى كلها .
-رغم انك هجرت الطب إلا انك انشأت جمعية محمود تضم مستشفى مصطفى محمود ومرصد جيولوجى ودار لعلاج كبار السن ما السبب ؟
بالفعل فأنا اكتشفت أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون رسالة اجتماعية اى لا يكتفى بان يكون مجرد موظف أو كاتب أو صحفى وانما لابد من تبنى رسالة اجتماعية تخدم البيئة التى يعيش فيها حتى تخلده بعد موته ويستفيد منها الناس وكان هذا هو السبب وراء إنشاء مسجد ومستشفى مصطفى محمود بنشاطاتها الهائلة واعمالها الخيرية .
- لكن لماذا المستشفى بالتحديد رغم أنك هجرت الطب ؟
المستشفى هى جزء من المؤسسة التى تضم المسجد والجمعية الخيرية والمرصد الجيولوجى ودار لعلاج المسنين ، ورغم اننى هجرت الطب ولكنى ما زلت اعشق هذه المهنة واعلم أن الأطباء هم ملائكة الرحمة فى الأرض لأنهم يخففون من معاناة البشر ، خاصة الطبقات الفقيرة التى لا تجد مكان تعالج فيه لهذا قررت إنشاء المستشفى من اجل هؤلاء ، واحمد الله انه يعالج بها حوالى 700 الف مريض سنويا ، ولدينا 135 طبيبا حاصلين على الدكتوراه فى جميع التخصصات وقد تم إنشاء فرع جديد للمستشفى مؤخرا وتم تشغيله بعد تجهيزه بأحدث الأجهزة الطبية حتى يتم استيعاب الأعداد الهائلة من المرضى الذى يترددون على المستشفى يوميا .
- بصراحة الم يعاودك الحنين لممارسة دور الطبيب مرة أخرى وانت وسط هذه الأجهزة والمراكز الطبية ؟
مهنة الطب تحتاج دائما على الإطلاع ومتابعة أحدث الأبحاث الطبية ولاكتشافات والأدوية العلاج ، وانا بصراحة غير متابع وليس لدى وقت لذلك فانا متفرغ الآن للتأليف وكتابة المقالات ناهيك أن سنى لم يعد يسمح بذلك الطريف أن هناك عدد من المرضى يحضرون إلى المركز ويطلبوننى بالاسم للكشف عليهم ولا يصدقون اننى تركت المهنة ولا استطيع القيام بهذه المهمة ، ومؤخرا جاءت سيدة من مدينة اسوان للكشف على ابنها ولم تصدق أننى لا أمارس الطب فظلت تنتظرنى أمام المسجد حتى شاهدتنى وطلبت منى الكشف على ابنها وبصعوبة بالغة اقنعتها باننى نسيت الطب وان المستشفى بها نخبة من الأطباء الجيدين والاكثر منى خبرة وكفاءة .
- وماذا عن برنامجك الشهير العلم والإيمان وهل افادتك دراستك للطب فى اعداد البرنامج ؟ وما هو سبب توقفه ؟
بالطبع دراستى للطب كانت السبب الأول لنجاح هذا البرنامج الذى كان يحتاج منى لمجهودات ضخمة فى الإعداد والحصول على أحدث الأفلام العلمية فكنت أسافر سنويا لكل دول العالم لأحصل على أحدث ما توصلت عليه مراكز الأبحاث ثم أقوم بدراسته جيدا حتى يخرج البرنامج للنور على أكمل وجه أما بالنسبة لتوقف البرنامج فللأسف ومع انتشار العنف والتطرف الدينى من الجماعات التى تنسب نفسها للإسلام مما أدى إلى تضيق الخناق على كل ما ينسب للإسلام ، فكان القرار بإيقاف البرنامج وهو ما احزننى كثيرا وشعرت بالصدمة الشديدة لاننى لا أتمنى لاى تيارات سياسية أو ايدلوجية أو دينية ، وان البرنامج كان يتمتع بشعبية هائلة وكان من انجح البرامج على الإطلاق .
- وماذا عن الجوائز التى حصل عليها د. مصطفى محمود ؟
حصلت على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس جمال عبد الناصر وكذلك جائزة الدولة التشجيعية 1977 جائزة الدولة التقديرية فى الآداب ومؤخرا تم اختيارى ضمن أفضل من اثروا الفكر الإنسانى من احدى المنظمات العالمية .
-هل تمارس أى نوع من الرياضة ؟
بالطبع ، فالرياضة أفضل وسيلة للحفاظ على الصحة ، وانا أمارس رياضة المشى يوميا بالنادى ، وذلك لتنشيط الدورة الدموية واجهزة الجسم ، إلى جانب أن التعرض لاشعة الشمس يساعد كثيرا فى الوقاية من العديد من الإمراض .