كذب الأطفال . . صداع فى رأس الأباء
2009-12-23 04:30:54
القاهرة - عبد اللطيف حسن:
كذب الأطفال مشكلة تشغل بال الكثيرين من الأباء والمربين الذين يحرصون على تنشئة أطفالهم على القيم الأخلاقية الحميدة، وأبعادهم عن العادات والسلوكيات السيئة ومنها الكذب، وخاصة فى السنوات الأولى من عمر الطفل، حيث أنها
علماء النفس : الكذب فى الصغر نوع من الخيال والإبداع
الصدق سلوك يكتسبه الطفل بالتوجيه والإرشاد
غياب القدوة فى الأسرة سبب تفشى الكذب فى المجتمع
فترة البراءة والنقاء التى يتميز بها الصغار دون استخدام الأقنعة التى يرتديها الكبار بمرور الوقت، ويبررون مواقفهم بأنها نوع من الذكاء الاجتماعي نظرا لظروف الحياة، والدراسات فى هذا المجال تؤكد أن غياب القدوة فى داخل الأسرة هو أهم أسباب كذب الأطفال إن جاز لنا هذا التعبير لأن أساتذة النفس والإجماع يرفضون هذه التسمية، ويرونه نوع من التخيل أو اختلاط الحقيقة بالخيل لدى الطفل، كما أن الصدق سلوك مكتسب يحتاج إلى التدريب والتعليم والإرشاد دون توجيه الشتائم أو الضرب حتى لا تترسب عنده خبرات سيئة عن نفسه يتحول بسببها إلى كذاب بالفعل فى الكبر.
بداية يقول الدكتور فاروق لطيف أستاذ الطب النفسى أن الطفل يمر بعدة مراحل والتى منها المرحلة التى تبدأ بعد سن الثالثة، حيث يبدأ التكوين النفسى والبيولوجى للطفل، الذى يتكون من خلاله الضمير، ونادرا ما يكذب الصغير فى هذه السن المبكرة إلا فى وجود ظروف غير طبيعية أو مشكلات نفسية، ونلاحظ أن بداية الحوار الفكرى بين الطفل والأسرة تتمحور فى عملية التبول اللإرادى التى يستغلها الطفل لإبداء رضاءه أو غضبه تجاه تعامل الأسرة معه، فهو يتحكم
فى ذلك عندما يرضى عن سلوكيات المحيطين به والعكس عندما يغضب منها، كما أن الضغوط تجعل الطفل يتخيل أشياء غير موجودة فعلا وبالتالى يلجأ إلى ما يشبه الكذب، وإن الأمر لا يصل إلى المعنى المعروف للكلمة عند الكبار، إنما يرجع ذلك إلى طريقة التعامل التى يمارسها معه المحيطون به، فيجب أن يكون التعامل لين وهادئ، لأن خلايا مخ الطفل تنضج بعد بلوغه 18 شهر، ويكون قادرا على إدراك ما يدور حوله، ولذلك يجب التعامل معه من منطلق الحزم والحنان فى نفس الوقت، فلا ينبغى أن يبالغ الوالدين حيال بعض تصرفات طفلهما كأن يصل الأمر إلى الضرب أو السب.
الكذب سلوك مكتسب
ويؤكد أن الكذب بهدف تزييف الحقائق لا يوجد لدى الأطفال صغار السن لافتقادهم لتلك المقدرة، ولذا غير مقبول أن نصف الطفل بأنه كذاب أو خائنا وما شابه ذلك لأن الإنسان يولد ومخه خالى تماما من أى شئ، وبالتالي فهو يكتسب منظومته الفكرية من أفراد مجتمعه تبعا لظروف كل مجتمع وثقافته وتقاليده، والطفل يتعلم سلوكياته من خلال محاكاته لمن حوله، فإذا رأى أباه يكذب فمن الطبيعي أن يقلده، والمثل الشعبى يقول" من شبه أباه فما ظلم" وهذا يشير إلى الدور الهام الذى تقوم به الأسرة فى تشكيل تصرفات الأبناء، وعليها أن توفر الحماية لطفلها بتعليمه العادات الحسنة فى جو من التفاهم والابتعاد عن العقاب، ولغة التهديد .
كما أن ما يراه البعض بخصوص كذب الأطفال فى سن المدرسة فهذا نوع من التوظيف، حيث يحاول عدم الذهاب إلى المدرسة بحجة أن الدرسون يضربونه، ويمكن التغلب على ذلك بالتحاور معه لتوضيح أن هذا فى صالحه حتى يكون فردا نافعا لنفسه وللمجتمع فى المستقبل، وهذا عكس ما يحدث لأن الأباء والأمهات يضربون الطفل ويسبونه بل ويصفونه بصفات غير مقبولة مما يرسب لديه الخبرات السيئة عن نفسه .
أما الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق فترى أن كل الأطفال يكذبون لأن الصدق قيمة أخلاقية يتم تعلمها من خلال التنشئة الاجتماعية . كما أنهم لم يدركوا الفرق بين الحقيقة والخيال الخصب الذى يتمتعون به فى هذه السن الصغيرة مما يجعلهم يخلطون بين الواقع والخيال، بل إن جزء كبير مما يرويه الطفل يستقيه من أحلامه التى يراها وهو نائم فنجده يحكى عن مواقف ومغامرات وهو فى قمة الانفعال والحماسة رغم أنه لم يقوم بها فى الواقع، وفى الحقيقة هذا سلوك طبيعى ولا يحتاج إلى القلق والذعر الذى نراه من الوالدين، كما أن بعض الأباء يصدق ما يقوله الطفل عن أمه مما قد يكون سبباً فى حدوث المشاكل بينهما كأن يدعى أن أمه ضربته أو خرجت من المنزل فى غياب أبيه ودون علمه، وهنا يجب على الأب ألا ينساق وراء حديث طفله، حيث أن الطفل يمكن أن يلجأ إلى الكذب انتقاما من أمه لأنها لم تلبى رغبته فى شراء شيء ما أو منعته عن اللعب مع أصدقائه .
دور الوالدين
وترى أن دور الوالدين مهم جدا فى هذه السن المبكرة لتوضيح أهمية الصدق للطفل فى ظل تجنب العقاب أو وصفه بصفات لا تتناسب مع هذه المرحلة العمرية على غرار الكذاب أو الخائن حتى لا تترسخ عنده انطباعات سيئة عن نفسه، وتكون سببا فى انحرافه مستقبلا، كما أن الطفل لا يدرك فى هذه المرحلة حدود قدراته لدرجة أنه يتخيل أن بإمكانه الطيران أو العوم مما يمكن أن يعرضه للحوداث، ونقرأ عن هذا بالفعل فى صفحات الحوداث، حيث يتصور الطفل أنه يستطيع الطيران من الطوابق العليا، وكذلك يتأثر الطفل بالقصص التى يسمعها عن الشخصيات الخيالية مثل شخصية " فرافيرو العجيب " الذى يقوم بالمغامرات ويتحدى المخاطر معتمدا على قدراته الخارقة فى القفز والطيران للهروب من الأعداء ونجدة المظلومين، ويشعر أن بإمكانه أن يفعل ذلك، ولذا فعلى الأم أن تساعد طفلها لكى يكتشف نفسه مع توضيح حقيقة قدراته، وتعليمه القيم والأخلاق الحميدة بشكل تدريجى دون مبالغات بشأن سلوكياته ووضعها فى الإطار الصحيح .
أنواع الكذب
وتضيف الدكتورة هدى أن الأطفال يمكن أن يقوموا ببعض أنواع الكذب تبعا للدراسات الأبحاث الأجتماعية فى مجال الطفولة، منها الكذب الخيالى وهو وسيلة للتسلية، واحيانا يكون تعبيرا عن أحلام الطفل لأن الأفكار تختلط فى ذهنه ولا يفرق بين الحقيقة والخيال، والكذب الألتباسى، حيث يلتبس عليه الأمر لتداخل الخيال مع الواقع كأن يتقمص شخصية لبطل قصة خرافية سمعها من أحد أفراد الأسرة، وكذلك الكذب بهدف الأستحواذ على الأشياء نظرا لمعاملة الوالدين له بقسوة، فيحاول سرقة النقود أو اللعب مع إنكار ذلك، ويمكن يكذب إنتقاما من أحد الأشخاص لتوجية اللوم له كأن يزعم أن أخاه أخذ لعبته، وهناك كذب الخوف ويسود فى الأسر التى يغلب عليها طابع القسوة، فيحاول الهروب من العقاب بالكذب، وأيضا الكذب بالمحاكاة لأفراد الأسرة فعندما يرى الأب يكذب فى مواقف ما كأن يطلب من الزوجة أن تقول لمن يتصل أنه خارج المنزل، فيشعر أن الكذب أمر طبيعى .
علاج الكذب
كيف نعالج كذب الأطفال؟
تشير الدكتورة هدى إلى أن الكذب قبل سن الرابعة يعد أمر طبيعى فهو نوع من القصص الخيالية ولا داعى للقلق منه، ولكن يجب أن نحدث الطفل عن أهمية الصدق كفضيلة دينية وأجتماعية ينبغى عليه التحلى بها مع بحث الدوافع والحاجات النفسية التى تدفعه للكذب علما أن اللجوء إلى العقاب والتهديد لعلاج الكذب أسلوب خاطئ، ويفضل أن يبدأ العلاج بالبيئة المحيطة به بتحسين أسلوب المعاملة، وتجنب الكذب فى جميع الماقف وخاصة أمام الأطفال.