الإنسان – رجلاً كان أو امرأة - مخلوق وهبه الله الدموع ، وفى انسياب الدموع تفريغ للشحنات السامة التى تُحدثها التوترات العاطفية ، وفى حبسها وكبتها تسمم بطيء لصاحبها …كما أن بالسائل الدمعى إنزيم خاص يقضى على الميكروبات التى تدخل فى العين فيحميها .
فقد أسفرت التجارب التى قام بها عدد من العلماء عن ظهور علم جدد هو " علم الدموع " الذى أنعقد أول مؤتمر طبى له عام 1985 مبالولايات المتحدة تحت شعار : " ابك تعش أكثر " حيث دعا المؤتمر إلى أن يصبح تحليل الدموع من التحاليل الطبية الشائعة مثل تحليل الدم وتحليل البول لأن نتائجه تقدم للطبيب معلومات وافية عن حالة الجسم .
وقد أكد آخر الأبحاث التى أجرتها جامعة "ميتسونا " …أن الدموع هى أفضل طريقة للتخلص من المواد الكيماوية المصاحبة للتوتر النفسى والقلق التى يفرزها الجسم فى أوقات الحزن والغضب .
كما ثبت أن البكاء يزيد من عدد ضربات القلب وهو فى حد ذاته يُعد تمريناً مفيداً لعضلات الصدر والكتفين والحجاب الحاجز …وعند الانتهاء من البكاء يعود القلب إلى حالته الطبيعية وتسترخي عضلات الصدر.
فالبكاء أفضل علاج للأعصاب المتوترة ، يُنقذمن الكتب الذى يعانيه إنسان العصر الحديث ويُفِّرغ الشحنة التى يسببها الإرهاق والتعب، فالبكاء صحة …والدموع تغسل النفس ، وللبكاء فائدة عظيمة فى الترويح عن الإنسان . يقول الأديب الإنجليزى ( ريتشارد ديكنز ) :
" إن البكاء يُوسع الرئة ويغسل الملامح ويُدرب العيون وغالباً ما يُهدىء المزاج فإبك كما تريد " لأنك –أولاً وقبل كل شيء –إنسان له أحاسيس ومشاعر فعبر عن نفسك وانفعالاتك وأطلق العنان لدموعك لتغسل همومك وأحزانك ، ولكى تعيد الراحة إلى نفسك والبسمة إلى حياتك ."
فابك –عزيزي القارئ –كما تريد.ابك بدون خجل ففى البكاء شفاء وعلاج لكثير من الأمراض .
لماذاتبكى المرأة أكثر من الرجل ؟
يعتقد البعض أن البكاء بالنسبة للرجل إشارة إلى ضعفه ، لهذا فالرجل أقل بكاء ، وقد أيَّد ذلك بعض العلماء ، إلا أنهم وجدوا حديثاً أن هرمون " البرولكتين Prolactin " وهى المادة الضرورية فى تكوين الدموع موجودة بنسبة كبيرة فى المرأة عنها فى الرجل .
وهذه الحقيقة توضِّح أن المرأة لديها قابلية طبيعية للبكاء أكثر من الرجل …ولعل السؤال السابق يجر سؤالاً آخر ربما يلقى لنا الضوء على حقيقة أخرى …وهذا السؤال هو : لماذا يميل الرجل إلى عدم البكاء ؟
إذا تسللنا إلى أعماق الرجل نراه يجد صعوبة كبيرة فى التحدث أو التعبير عن مشاعره الدفينة وأسباب ذلك كثيرة …فالبعض تعلم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أنه لا يليق بالرجل أن يعبر عن مشاعره علانية وبخاصة مشاعر الألم حيث يعتبر ذلك ليس من الرجولة .
كذلك فهناك مجتمعات لا تحترم الشخص الذى يبكى وتُعِّلم أبناءها منذ الصغر أن البكاء للأطفال والضعفاء فقط . وعلى عكس ذلك فهناك مجتمعات أخرى تعبِّر عن انفعالاتها بشكل ملحوظ ولا تستطيع السيطرة على مشاعرها أو التحكم فى دموعها .
ويعتقد البعض الآخر أن التعبير عن الألم يُظهر نقص الإيمان بالله تعالى. وهذا اعتقاد خاطئ لأنه على العكس والنقيض من ذلك . فالبكاء عند سماع الموعظة أو عند التأثر بموقف معين هو صميم الإيمان بالله تعالى .
يقول الحق سبحانه وتعالى )تولوا وأعينهم تفيض من الدمع ألا يجدوا ما ينفقون(البقرة آية 92
ويقول جل شأنه فى سورة مريم ) إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سُجدا وبُكياً ( آية 58.
كذلك فهناك الحديث المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم عندما حزن وبكى على فقدان ابنه إبراهيم فقال " إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون وإنا لله وإنا إليه راجعون . "
فعندما يغمر ( الرجل ) الحزن والأسى فإنه لا يعرف كيف يُعِّبر عن مشاعره بطريقة إيجابية وقد يتمركز حول ذاته ، وقد ينغمس فى عادات معتقداً أنها يمكن أن تُبَّدل أحزانه ، وقد يفقد اهتمامه بالعمل ببعض المسئوليات التى يقوم بها.
البكاء بين الرجل والمرأة
أجرى الكيميائي " وليم فرى " عدة دراسات وأبحاث مع فريق من زملائه ، منها دراسة على (331) متطوعاً من الجنسين تتراوح أعمارهم بين 18 –75 سنة وقد طلب من متطوع تسجيل يومياته عن البكاء لمدة ثلاثين يوماً.
وقد أظهرت النتائج أن السيدات سجلن 5.4 حالة بكاء كاستجابة لجهد انفعالي خلال هذه المدة ، على حين سجل الرجال متوسط 1.4 حالة …واتضح من الدراسة أن 73% من الرجال و 85% من السيدات بصفة عامة شعروا بارتياح بعد البكاء .
من بين أفراد تلك المجموعة لم يبك 45% من الرجال و 6% من السيدات الذين يتمتعون بصحة جيدة .
أما أسباب البكاء الرئيسية للمرأة فقد تضمنت علاقات مع الناس وغالباً لانفصالها عن شخصية محبوبة …وكانت الانفعالات الأساسية هى الحزن بنسبة 49% والفرح بنسبة 21% والغضب 10% بينما عبرت معظم السيدات عن غضبهن بالدموع فإن الرجال لم يفعلوا ذلك .
وأكدت تجارب " فرى " أن الدموع تخلص الإنسان من مواد سامة يصنعها الجسم كله فى حالة توتر …وأنه يجب أن يُنظر للبكاء على أنه عملية تنظيف مثل التبول والعرق وكشفت الدراسة أن تركيب الدموع يختلف تبعاً لمسبباته وللأشخاص الباكين أيضاً . فقد تبين أن دموع الفرح مثلاً تحتوى على نسبة كبيرة من الزلال تزيد بحوالى 25% عن الدموع الأخرى . كما اتضح أن نوبات البكاء تحدث بشكل أساسى بين السابعة والعاشرة مساءاً …وأن احتمال البكاء أثناء مشاهدة فيلم مؤثر أكثر فى المساء عنه فى الصباح .
د. محمد السقا عيد
استشاري طب وجراحة العيون
عضو الجمعية الرمدية المصرية