قضت الميكروبات خلال تاريخ البشرية على أعداد هائلة من البشر تفوق بأشواط ما نتج عن الحروب بين البشر أنفسهم. بلا شك و على مر العصور شكلت الميكروبات العدو الأول للبشر، و يدور صراع قوي من أجل البقاء بين هذه المخلوقات و البشر حيث يتقاسموا العيش على كوكب الأرض.
اعتمد الإنسان على مر التاريخ على سلاحه الرئيسي و هو جهاز المناعة في الجسم، فتجد ان الميكروبات تهاجم من يضعف عنده جهاز المناعة من شيوخ و أطفال و مرضى فيحاول القضاء عليهم بكل شراسة.
وقد اكتشف الإنسان أن الاهتمام بنظافة الجسد و غسل اليدين يساعد بشكل كبير على منع تناقل الميكروبات و يسد باب العبور إلى الجسم.
و قد كان هناك فضل كبير للحضارة الإسلامية في نشر ثقافة الاهتمام بنظافة الجسد بالتشجيع على الاغتسال و الوضوء و غيرها من التقاليد الإسلامية.
أما الفصل الرئيسي في هذا الصراع فكان في اكتشاف البنسلين اول مضاد حيوي (Antibiotic) على يد عالم الأحياء الاسكتلندي السير ألكسندر فلمنج في عام 1928, الذي أعطى الإنسان سلاحا فتاكا لو احسن استعماله لكان له الغلبة على الميكروبات.
يجب التوضيح هنا أن دواء المضاد الحيوي (Antibiotic) هو دواء للمعاجلة من الميكروبات أو الجراثيم البكتيرية (Bacterial infection) التي قد تصيب جسم الانسان، و هو غير فعال البتة ضد الالتهابات الغير جرثومية أو ضد الفيروسات كالإنفلونزا مثلا.
كما أن هناك بعض الميكروبات الغير بكتيرية مثل الفطريات التي لا تتجاوب مع الأنتيبيوتيك، بل يجب معالجتها بمضاد للفطريات (Antimicotic).
بينما دواء المضاد للإلتهابات (Anti inflammatory) هو ليس انتبيوتيك أو مضاد حيوي، بل هو دواء لعلاج الإلتهابات الغير جرثومية (ميكروبية) و هو ايضا مضاد للأوجاع، و هو فعال مثلا في حالة إلتهابات و أوجاع المفاصل أو الأسنان و مسكن لنوبات الكلى و اوجاع الرأس و غيرها... ، و ينصح عند الإستعمال المزمن لدواء مضاد الإلتهابات استخدام دواء لحماية المعدة.
هناك العديد من أنواع المضادات الحيوية (انتبيوتيك) كل مجموعة لها طريقة عمل معينة تقتل فيها الأنواع المختلفة من الميكروبات. لذلك فإن اختيار المضاد الحيوي للعلاج يجب ان يكون معتمد على نوع العدوى, المنطقة المصابة, وجود انواع الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية, و العديد من العوامل الاخرى اعتمادا على نوع العدوى.
إلا أن سوء إستخدام الأنتبيوتيك و استعماله بشكل عشوائي دون الرجوع إلى الطبيب يؤدي إلى تكوين مناعة من قبل الميكروبات يعطل عمل الانتبيوتيك و يفقده الفعالية.
حيث تتمتع الميكروبات بخصوصية ذكية تسمح لها بالتأقلم مع المتغيرات إذ تستبدل تنظيم جيناتها مما يعطيها مناعة تستطيع من خلالها أن تحمي نفسها من خطر الإبادة الذي يشكله عليها الأنتبيوتيك.
من المفيد هنا اجراء فحص الزرع المخبري على عينة من موضع المرض ( مثل البول أو البلغم أو الجرح او الدم...) لإكتشاف نوع الجرثومة (الميكروب)، و مراجعة الطبيب لإختيار و إستعمال فقط الأنتبيوتيك الفعال ضدها، بالأخص في حال الأمراض المتكررة و المزمنة.
كما أن استعمال الانتبيوتيك بكثرة و لمدة طويلة قد يقضي على بكتيريا الأمعاء المفيدة التي تساعد في عملية الهضم و تحافظ على البيئة الفيزيولوجية الطبيعية في الأمعاء. اذ لا تميز المضادات الحيوية المستعملة بين البكتيريا الصالحة والبكتيريا الضارة فتتلاشى الأولى و تنمو الثانية مما يسبب خلل في عمل الأمعاء و ضرر لجسم الإنسان.
ينصح الاطباء عند استعمال الانتبيوتيك لمدة طويلة تناول البروبيوتيك ( Probiotic) و هي متممات غذائية من البكتيريا تساعد في الحفاظ على توازن بيئة الميكروبات. الأكثر استخداما هي بكتيريا حمض اللبن او العصيات اللبنية (Lactic ferments) و الموجودة في اللبن (الزبادي).
يجب على الهيئات الطبية ترشيد استعمال الأنتبيوتيك و استخدامه فقط عند الضرورة و اختيار نوع الأنتبيوتيك بناء على نتائج الزرع المخبري عند توفرها.
نحتاج هنا الى العمل الدؤوب على توعية الجمهور و خصوصا المثقف منه حول كيفية استعمال المضادات الحيوية و متى تستخدم و مراجعة الطبيب لإختيار الدواء الملائم.
كما يجب نشر ثقافة النظافة و العناية بالجسد للحد من تناقل الميكروبات و منع دخولها إلى الجسم ، و العمل على تقوية جهاز المناعة بالتغذية السليمة و الرياضة و الابتعاد عن القلق (stress) الذي يضعف جاهزية المناعة عند الإنسان، و تخصيص بعض الجهد لحماية ضعفاء المناعة من شيوخ و أطفال و أصحاب الأمراض المزمنة كالسكري و غيره.
فقط هكذا نحفظ فعالية سلاح الأنتبيوتيك في هذه الحرب الضروس التي تدور منذ بدء التكوين بين الميكروبات و نحن بني البشر.