13 عشرة عامًا مضت على رحيل الغائب عن الأرض الحاضر في قلوب البشر، إن وصفته بشيخ الخليج أو شيخ العرب لم استطع أن أوفيه حقه فهو شيخ العالم أجمعين، فعندما تبحث في كل دولة بل كل قرية ستجد لهذا الرجل العظيم مكانة غير عادية في قلوب البشر، فهو لم يتأخر يومًا عن محتاج، لم ينقطع عطاءه عن أحد شخصًا كان أو أمة، يكفي إن الوافدين على أرضه لم يشعروا يومًا أنهم ليسوا مواطنين.
كان الشيخ زايد رحمة الله عليه نموذجًا للإنسانية كما ينبغي أن تكون، نهرًا متدفقًا عذبًا ملاذًا للمتعطشين، يمد يد العون وقت الصعاب لمن يحتاج إليها سواء طلب أو لم يطلب، لم يتوانَ يوماً عن نجدة ملهوف، أو إغاثة ضعيف، أو مساعدة محتاج، ولم يرد سائلاً قط.
من تلك "العين" المدينة المحببة إلى قلبه كانت البداية، ولم تقف أمامه ندرة الماء والمال والصحراء القافلة، وقلة الإمكانيات كحجر عثرة أمام تطوير الإمارات، والتي صار على دربه أبناءه لتصبح الإمارات هي منتجع السعادة والسلامة والخير في هذا العالم، بل قُل أصبحت منظومة للخير والنور والجمال.
ومنذ طفولتي وأنا أحب هذا الرجل وافتخر به.
استذكر أيضًا هذه القصة الإنسانية للشيخ زايد والمرأة العجوز، عندما كان الشيخ زايد في طريقه ذات يوم من قصر باب البحر إلى كاسر الأمواج، وبالقرب من مركز المارينا، أشارت سيدة بكلتا يديها، فأمر، طيب الله ثراه، السائق بالتوقف ليستمع إليها، فقالت إن زوجها فقد وظيفته، وشكت عجزها عن تدبير نفقات علاج ابنتها المريضة بالسرطان، وقبل أن تكمل حديثها وجه المغفور له، بإذن الله، بأن يعود زوجها إلى عمله خلال ساعة، وأمر بصرف 50 ألف درهم لها فوراً، وتكفل بجميع نفقات علاج ابنتها في الخارج.
وأتذكر في أحد المرات أنه طلبت مني أسرة مساعدتها في إجراء عملية جراحية في القلب لأحد أفرادها، وبالفعل قد أخذت عهدا على نفسي بإجرائها على نفقتي الخاصة، وانتظرت مجيئ الأسرة في الموعد المحدد، إلا أنني فؤجئت بأن الشيخ زايد رحمه الله قد تكفل بها.
وفي عام 2004 قبل وفاته بأشهر معدودة، كان هناك اتجاهًا لرفع قيمة العقارات على الوافدين، وما أن علم بهذا الأمر حتى أمر بإلغائه، فهو لم يكن يومًا يفرق بين المواطنين والوافدين كلهم على أرض الإمارات سواء.
وأتذكر يوما أثناء تجواله بمنطقة مركز «المارينا مول»، طلبت منه سيدة مسنة إطلاق سراح ابنها السجين بسبب الديون، فتأثر المغفور له، بإذن الله، كثيراً، وفِي الْيَوْمَ ذاته، وجه بإطلاق سراح جميع المسجونين الغارمين، المواطنين والمقيمين على أن يتكفل - طيب الله ثراه - بسداد ديونهم، بشرط ألا يكون لديهم جرائم أخرى.
أما إذا تحدثت عن التسامح والسعادة اللتين تجسدتا الآن في وزارتين بالإمارات، فهما يعودان إلى القيم التي غرسها الشيخ زايد في أبناءه وأهله لأن المغفور له، بإذن الله، كان معروفاً بكرمه الفياض حتى على المستوى العالمي، وأتذكر أنه خلال تواجده بأحد الدول الأجنبية، أقبل عليه عدد من الناس ، يلقون التحية ويسألون بعض المساعدات، وكان بينهم يهودي يرتدي قلنسوة، فتدخل أحد الحراس وحال بينه وبين الشيخ زايد، حينها أشار «طيب الله ثراه» للحراس أن يتركوه، وأعطاه ضعف ما طلب، وهذا الموقف كان بمثابة رسالة لجميع الناس تحث على التسامح وتقبل الآخر.
مهما تحدثت فلن أعطي هذا الرجل ما يستحق من كلمات الشكر والتقدير، يكفي أنه بعد 13 عشرة عامًا، رحل زايد وبقي خيره حاضَرا، وسيرته العطرة تملأ جنبات العالم أجمعين.