2009-10-29 01:56:02
يختفي الشخص الجالس إلى الجوار في الحافلة فجأة ... لا يمكن رؤية القلم على المكتب بالرغم من أنه على بعد خطوات بسيطة ... كل هذه الحالات يمكن أن تكون مؤشرا على الإصابة بالغلوكوما التي تعرف أيضا باسم المياه الزرقاء
والتي تنشأ كنتيجة لتلف الخلايا العصبية للشبكية والعصب البصري. وبكل أسف حينما يكتشف المريض هذه الأعراض ، يكون الوقت قد فات وتكون الحالة متأخرة ، ومن ثم يكون المريض مهددا بفقد الإبصار ، حيث تعد الغلوكوما أحد أهم أسباب العمى.
وعن الغلوكوما يقول رونالد غيرسته أخصائي العيون وأمين عام مبادرة التشخيص المبكر للغلوكوما بمدينة جيرميرنغ جنوبي ألمانيا إنه فيما مضى كان هناك اعتقاد سائد بين الأطباء بأن ارتفاع ضغط العين الداخلي هو السبب الرئيسي للإصابة بالغلوكوما ، أما اليوم فأصبحنا نعرف أنه ليس السبب الوحيد ، بل أحد أهم عوامل الخطورة المسببة للغلوكوما.
وتعد اضطرابات تدفق الدم من أكثر الأسباب المؤدية لتلف الخلايا العصبية للشبكية والعصب البصري. وفي هذا الصدد يشير غيرسته إلى أن ارتفاع ضغط العين الداخلي غالبا ما يكون مصحوبا بانخفاض ضغط الدم بالجسم ككل أو بحدوث تأرجح في ضغط الدم.
ومن المعروف علميا أنه يتم إنتاج خليط مائي داخل مقلة العين بصفة مستمرة تتمثل وظيفته في إمداد القرنية بالمواد المغذية والحفاظ على هيئتها. وفي العين السليمة يتم إنتاج هذا السائل المائي وتصريفه بقدر متساو ، غير أن هناك بعض الأسباب التي تعيق هذه العملية ، أهمها انسداد أو ضيق فتحات التصريف أو الرواسب العالقة بها أو الالتهابات التي تصيبها. كما تعتبر الجروح والعيوب الخلقية وكذلك مرض السكري من الأسباب التي تحول دون إتمام عملية التصريف. وكنتيجة لذلك يرتفع ضغط العصب البصري وتلحق تلفيات جسيمة بالخلايا العصبية لشبكية العين.
وتجدر الإشارة إلى أنه بإمكان العين تعويض هذه التلفيات لفترة طويلة دون أن يكون لذلك تأثير سلبي على وظيفتها. وفي هذا الصدد تشير هيلغا كيب من رابطة مجموعات الدعم الذاتي لمرضى الغلوكوما بمدينة دورتموند غربي ألمانيا إلى أن المريض لا يشعر بالتغيرات التي طرأت على قدرته على الإبصار إلا بعدما تكون الخلايا العصبية قد تعرضت للتلف بنسبة 30 إلى 40 % ، وهو ما يعني أنه مهدد بفقد الإبصار نتيجة لحدوث تلفيات جسيمة لا يمكن علاجها ، فالإجراء الذي يمكن فعله حيال ذلك ينحصر في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه والحفاظ على النسبة المتبقية من قدرة الإبصار.
يقوم علاج الغلوكوما بصفة أساسية على استخدام قطرات العين. وعن هذه القطرات يقول جورج إيكرت من رابطة أطباء العيون الألمان بمدينة دوسلدورف غربي ألمانيا إن قطرات العين كانت تسبب للمرضى فيما مضى حرقانا شديدا ، كما أنها كانت تتسبب في اتساع بؤبؤ العين ، وهو ما كان المرضى يفسرونه على أنه تدهور لقدرتهم على الإبصار. ويضيف إيكرت أن القطرات المتوفرة حاليا تتدارك هذه المشكلة ، فهي لا تسبب حرقانا شديدا للعين ، كما أنها أكثر فعالية من مثيلاتها التي كانت تستخدم فيما مضى.
وعلى الرغم من ذلك ما زال العلاج بالقطرات يمثل مشكلة تؤرق كثيرا من مرضى الغلوكوما. فبحسب هيلغا كيب يتعين على المريض اصطحاب القطرة معه أينما ذهب ، كما أن بعض المرضى يعانون من الآثار الجانبية لهذه القطرات والتي تتمثل في آلام مبرحة بالعين أو السعال أو زيادة إفرازات المخاط. وتضيف هيلغا أن كبار السن ومرضى التهاب مفاصل الأصابع كانوا أكثر الأشخاص تأثرا بعيوب العلاج بقطرات العين. لذا كانت هذه الأسباب تدفع بعض المرضى لإهمال العلاج ، خاصة في مراحل المرض الأولى والتي يكون فيها تدهور القدرة على الإبصار ما زال في بداياته أو غير ملحوظ.
وهنا يحذر إيكرت قائلا: "إهمال العلاج خطأ جسيم" ، موضحا أنه لا يمكن وقف زحف المرض إلا إذا خضع للعلاج المستمر والمتابعة بصفة منتظمة.
ويعتبر التدخل الجراحي أحد إمكانيات العلاج المتاحة ، غير أنه غير شائع الاستخدام ، حيث تتراوح نسبته ما بين 10 و 20 % على أقصى تقدير من جميع الحالات المصابة بالغلوكوما. وعن التدخل الجراحي يقول غيرسته إنه بجانب مخاطره له مميزات لا يمكن إغفالها ، فعملية جراحية واحدة يمكنها خفض ضغط العين بصورة أفضل بكثير من القطرات ، وهو ما يتيح الفرصة للمرضى لممارسة حياتهم الطبيعية دون منغصات. ويعود غيرسته ليؤكد على أهمية أن يتحدث المريض مع الطبيب المعالج كي تتكون لديه صورة كاملة عن مميزات وعيوب التدخل الجراحي ، وبعدها يقرر المريض ما إذا كان يرغب في إجراء عملية جراحية أم لا.
وبما أن العلاج لا يمكنه سوى الحفاظ على ما تبقي من القدرة على الإبصار وقت بدء العلاج ، يوصي الخبراء بضرورة التشخيص المبكر للغلوكوما ، مع مراعاة ألا يتم ذلك بعد سن الأربعين على أقصى تقدير. ولهذا الغرض يتم قياس ضغط العين الداخلي وفحص العصب البصري من حيث وجود أي تغيرات طرأت على حافته بالإضافة إلى قياس مجال الرؤية وعمل أشعة لحلمة العصب البصري إذا استدعى الأمر ذلك.
وعلى الرغم من أنه يوصى بالفحص بدءا من سن الأربعين على أقصى تقدير ، إلا أن هذا لا يعني أن الأطفال والشباب بمنأى عن الإصابة بالغلوكوما. ومن هذا المنطلق تشدد هيلغا على أهمية أن يلاحظ الآباء أطفالهم وأبنائهم بصفة مستمرة من أجل اكتشاف المرض في مراحله المبكرة وقبل فوات الأوان. وعن كيفية التعرف على ذلك تنصح هيلغا الآباء بطرح الأسئلة التالية: هل عيون الطفل كبيرة بشكل لافت للنظر؟ هل تدمع عيناه بكثرة؟ هل يتأثر بالضوء المبهر؟ ففي مثل هذه الحالات ينبغي التوجه إلى طبيب العيون أو إحدى العيادات المتخصصة على وجه السرعة.
د. ب. أ.