المتغيرات الجينية و خطر الإصابة بالأمراض المعدية.. بقلم د. عادل محمد قوري
2010-07-10 11:06:05
كانت الأمراض المعدية و لا زالت من أكبر المشاكل الصحية التي تعاني منها الدول النامية و الفقيرة , فحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية تقضي المالاريا و مرض السل على ما يقارب الخمسة ملايين من البشر في العالم سنويا.
ليست وحدها الظروف المناخية، نقص التغذية و انعدام شروط النظافة الأسباب المؤدية إلى انتشار هذه الأوبئة، فالعوامل الوراثية تلعب أيضا دورا هاما في ارتفاع معدل الإصابة بهده الأمراض عند بعض الأفراد.
وفي هدا السياق قامت مجموعة من الباحثين الدوليين في دراسة حديثة نشرت بالمجلة الطبية البريطانية، بالبحث عن إمكانية وجود علاقة سببية بين المتغيرات الجينية عند الإنسان و خطر الإصابة بالأمراض المعدية. الدراسة التي أجريت على أكثر من ثمانية آلاف عينة موزعة على سبع مجموعات و استمرت لمدة خمس سنوات, شارك فيها قرابة الأربعين باحث و شملت أكثر مناطق العالم عرضة لهذه الأوبئة ; كينيا , مالاوي , فيتنام , غامبيا و هونغ كونغ.
البداية كانت بجمع عينات من الدم لكافة المجموعات المدروسة و المتكونة من أفراد مصابين بالملا ريا, السل و أمراض الدم البكتيرية. إضافة إلى ثلاث مجموعات متكونة من أفراج سالمين أخذوا كشواهد. استفادت كل هذه العينات من تحاليل وراثية للحمض النووي شملت أكثر من عشرين جينة ذات علاقة بعمل الجهاز المناعي البشري.
نتائج الدراسة كانت جد مشجعة, فقد تمكن الباحثون من تحديد موقع جينة على مستوى الكروموزوم 3 في الوضعية 3 p21.3 تدعى CISH لها علاقة مباشرة بارتفاع خطر الإصابة بالأمراض المعدية.
الجينة CISH «Cytokine-inducible SRC homology 2 (SH2) domain protein » تعتبر من أهم الجينات ذات الدور المناعي, فهي مسئولة عن تنظيم عمل البروتين المناعي الأنترلوكين 2 « interleukine-2 » من نوع السيتوكين « Cytokine » الذي يلعب دور الوسيط بين الخلايا المناعية أثناء التفاعلات ما قبل الالتهابية « pro-inflammatory » الناتجة عن دخول بكتيريا أو فيروس لجسم الإنسان. وبصفة أدق تنتج الجينة البروتين CISH الذي ينتمي إلى عائلة البروتينات المثبطة suppressor of cytokine signaling (SOCS ) » « حيث يعمل هذا البروتين على تعديل نسبة الأنترلوكين 2 المنتجة أثناء الاستجابة المناعية و المعروف أن ارتفاع هذه النسبة يؤدي إلى تفاقم الالتهابات و التعفنات.
حسب البروفيسور " أدريان هيل" من مركز »والكم تراست « للوراثة البشرية بجامعة أكسفورد, فقد سمحت الدراسة باكتشاف خمس مجموعات من المتغيرات الوراثية للجينة CISH عبارة عن تعدد أشكال لنيكليوتيدة مفردة( SNPs) « single-nucleotide polymorphisms » في خمس مواضع مختلفة : - 639 , - 292 , - 163 , +1320 و+3415 , حيث أن وجود واحدة فقط من هذه المتغيرات عند الفرد تزيد بنسبة 18 بالمائة من خطر إصابته بالإمراض المعدية و ترتفع هذه النسبة إلى 81 بالمائة في حالة وجود أربعة أو أكثر من هذه المتغيرات.
التحاليل الوراثية عند المرضى المصابين بالمالاريا أثبتت وجود أربع من هذه المتغيرات : -639 , -292 , -163 و +3415 عند أفراد المجموعة الكينية و المتغيرين - 292 و + 1320 في مجموعة غامبيا و المتغير -292 في مجموعة الفيتنام. والملاحظ أن المتغير -292 هو القاسم المشترك بين هذه المجموعات و يفسر ذالك بوضعية هذا المتغير في منطقة البروموتور" Promoteur " للجينة CISH وهي المنطقة المسئولة عن تنظيم التركيب الوراثي للبروتين CISH مما يؤدي إلى اضطراب كمي في إنتاج هدا البروتين.
بالنسبة لمرض السل فقد أكد البروفيسور شاي كور من معهد سنغافورة للعلوم السريرية و المشارك في هذه الدراسة على وجود علاقة ترابط قوية بين المتغير الوراثي + 1320 للجينة CISH و خطر الإصابة بهذا المرض حيث وجد هذا المتغير عند أفراد المجموعة الأسيوية إلى جانب مجموعتي غامبيا و مالاوي.
التفسير البيولوجي للعلاقة بين كل هذه المتغيرات الوراثية للجينة CISH و ارتفاع خطر الإصابة بالأمراض المعدية لازال غامضا حيث يرجح الباحثون أن تكون هذه المتغيرات الجينية سبا مباشرا في نقص تركيب البروتين CISH مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأنترلوكين 2 المنتجة الذي بدوره يساهم في تكوين وسط بيولوجي مساعد على تكاثر البكتيريا و الفيروسات و بالتالي ينقص من فعالية الاستجابة المناعية لجسم الإنسان.
إن هذه الدراسة تعتبر خطوة أولى لفهم طريقة تفاعل الكائنات المجهرية المعقدة مع الجينات البشرية و مختلف العناصر الخلوية و الخلطية المشاركة في الاستجابة المناعية كما أنها تفتح بابا واسعا أمام العلماء و الباحثين من اجل و ضع استراتيجيات جديدة لمكافحة الأوبئة و الأمراض المعدية عن طريق تطوير جزيئات دوائية و لقاحات أكثر فعالية.
الكاتب : دكتور عادل محمد قوري
أخصائي بيوكيمياء سريرية