نهم الشراء .. مرض نفسي يهدد اقتصاد الأسرة العربية
2011-03-04 05:48:40
القاهرة - نهى سلطان:
إقبال النساء العربيات غير المبرر على الشراء وحالة "النهم" غير المنطقية على شراء كل شيء سواء كان ضرورياً أو غير ضروري هل يعتبر "مرضاً" ؟
إذا كانت الظروف الاقتصادية الآنية في معظم الدول العربية تعاني التدهور والارتباك فلماذا هذا النهم في الشراء وبالذات للسلع الترفيهية والحاجات غير الضرورية ؟الخبراء والأطباء النفسيون يرون أن هذا الإقبال الكبير على الشراء "مرض" يهدد الأجيال الناشئة..حيث ستنتقل تلك السلوكيات إلى الأجيال القادمة بالاكتساب في الأمهات .
حالة النهم الشرائي وبالذات للأشياء غير الضرورية والمكمّلة والترفيهية تحتاج إلى تفسير مقنع .
الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة يرى أن هذه الظاهرة تفشت في السنوات الأخيرة مع زيادة التقدم التكنولوجي والاهتمام بتوفير أكبر قدر من الرفاهية للإنسان .
كما أن وسائل الدعاية والإعلان والتي تعتمد في بث دعايتها وإعلانها على تحليل الجوانب النفسية للإنسان واحتياجات ومتطلبات الفئات المستهدفة جعلت من ترويج وتسويق هذه المنتجات شيئاً سهلاً بل وخلقت سوقاً رائجةً لها ، خاصة بين النساء اللائي يكنّ عادةً هنّ المستهدفات في هذه الحملات الإعلانية والترويجية .
على أساس أنهن المتحكمات- بشكل أساس في ميزانية الأسرة .
ويقول : لذلك يُلاحظ أن معظم المنتجات في الأسواق تغازل المرأة ، مما جعلها فريسة لمرض الشراء .
ويرى الدكتور عبد العظيم أن لهاث المرأة لاقتناء أحدث المنتجات يعود لاختلاف التركيبة السيكولوجية للمرأة عن الرجل.. فالرجل يدرك قيمة المال الذي جمعه وبذل فيه مجهوداً ، خاصةً إذا كان من ذوي الدخل المحدود ويعرف أنه لا يوجد ملجأ مالي آخر .
أما المرأة فيهيمن عليها الشعور بأنها إذا أنفقت ما في حوزتها من أموال فإن زوجها يستطيع أن يمدها بغير هذا ، إلى جانب بعض العوامل التي تتحكم في التركيبة النفسية للمرأة ، منها الرغبة في الشعور بالقوة والثقة في النفس مقابل شعور مغاير بأن بها بعض جوانب القصور التي تجعلها أقل تميزاً عن غيرها ، وهنا يكون النهم على الشراء رغبةً في امتلاك ما لم تمتلكه الأخريات ، وأحياناً يدفع شعور فقدان الأمان المرأة للإقبال على الشراء رغبةً في القضاء على هذا الشعور الذي قد يفقدها التوازن النفسي في بعض الأحيان ، فتبحث عن وسيلة لإحداث هذا التوازن وعادة يكون الشراء واقتناء الأشياء سبيل إلى ذلك ، بغض النظر عما إذا كانت في حاجة حقيقية إلى هذه المشتريات أم لا. بينما تكون الرغبة في التآلف والحفاظ على جمالها وبريقها أهم أسباب إقبال المرآة على الشراء وهو ما يطلق عليه ( هوس الموضة ) فنجد معظم النساء على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية يبحثن عن كل ما هو جديد في عالم الأزياء والإكسسوارات والماكياج وكل ما هو متعلق بجمال المظهر .
ويلعب التجار ومسئولو الدعاية والإعلان دوراً كبيراً في إغراء المرأة على الشراء بالعزف على أوتار الرغبة في الجمال والتميز بالتعاون مع مصممي الموضة والأزياء الذين يحرصون كل عام على تقديم تصميمات جديدة ومختلفة تلغي الأذواق القديمة لدفع الناس إلى الشراء .
يرى الدكتور محمد صادق أستاذ الطب النفسي بطب القصر العيني أن النهم على الشراء الذي انتشر في الفترة الأخيرة يمثل عدوى بين الناس ، وخاصة النساء ، وقد برزت هذه الظاهرة على الساحة مؤخراً كأحد سلبيات الطفرة الإعلامية التي حدثت مؤخراً من حيث انطلاق هذا الكم الكبير من الفضائيات والصحف التي تعمد في إيراداتها في أغلب الحيان على الدعاية والإعلانات التي أصبحت تطارد المشاهدين بكافة الطرق وتتفنن في تقديم الجديد وجذب الانتباه فأصبح الناس ضحية هذا الغزو الإعلاني وقد ساعد على ذلك الرغبة في الاكتشاف التي تنبع من الفطرة الإنسانية ، مما يؤدي في النهاية لتكالب الناس على الشراء وضياع الأموال على منتجات قد تكون غير ضرورية .
ويشير الدكتور صادق إلى أن تطلّع النساء لتحقيق مستوى مادي واجتماعي أفضل حتى وإن لم يكن له مقومات حقيقية وراء رغبات الشراء ، وذلك من أجل التباهي أمام الآخرين بما يمتلكن رغم عدم وجود حاجة حقيقية لهذه المقتنيات ، وهذه الظاهرة ليست غربية على المجتمع العربي لكنها متأصلة فيه وأخذت أشكالاً مختلفة في الفترة الأخيرة عن الزمن الماضي الذي كانت فيه النساء تتبارى على شراء الذهب والمجوهرات كدليل على الثراء والانتماء لطبقة أرستقراطية ، أما الآن فقد أصبحت المنتجات الترفيهية والأزياء والإكسسوارات هي وسيلة المرأة للتأكيد على رقي الطبقة التي تنتمي لها .
يضيف د.صادق أن ظاهرة النهم على الشراء تظهر بوضوح بين النساء غير العاملات أو لدى المدللات اللاتي لم يتعودن على تحمل المسؤولية ، وبالتالي فإن ذلك ينعكس على سلوكها في إدارتها لشؤون حياتها العائلية والشخصية ومنها الشراء حيث تفقد القدرة على السيطرة على نفسها أمام إغراءات السلع والمنتجات مما يحوّل حياتها لكابوس ، ويضيع جزءاً من دخل الأسرة على سلع تكميلية كان من الممكن أن يوجه إلى تلبية احتياجات حقيقية وأساسية أكثر أهمية .
ويرى صادق أن ظاهرة التكالب على الشراء تعود بآثار سلبية شديدة الخطورة على النشء الذي يتعلم هذا السلوك من والديه فيصبح داء الشراء أحد مكونات شخصية الأطفال التي يصعب إصلاحها كما ستنهار قيمة الادخار التي تعد من أهم وسائل تكوين رأس المال الوطني .
يؤكد صادق أنه يجب أن تتكاتف الجهود لنشر الوعي بأهمية الادخار والتخفيض من الشراء غير المبرر من خلال تقديم برامج وندوات تنظمها وسائل الإعلام والجهات المعنية .
وعلى النساء وضع أولويات للشراء وأهداف محددة منه قبل أن تقوم بالشراء ، هذا إلى جانب الاحتفاظ بمبالغ نقدية محدودة تكفي المتطلبات الأساسية للمنتجات المرغوب في شرائها ، لأن الاحتفاظ بأموال كثيرة أثناء التسوق يساعد على الإفراط في الشراء .