2011-11-22 09:56:16
تحقيق - جهاد عواد
لكل منا عيون يرصد بها الأحداث ولكل منا عمل يقدم من خلاله رسالة، وكثر الحديث عن دور السياسيين والمفكرين والإعلاميين بميدان التحرير ونغفل دورالأطباء الذين يلعبون دوراً هاماً وبارزاً فى سيناريو ميدان التحريرمتطوعين وليسوا مجبرين، وقد أن الأوان لكى نسمع
ملائكة الرحمة الذين لم يتخاذلوا يوماً عن تقديم المساعدة للبلاد حتى ولو فى قلب النارحاملين أكفانهم على أيديهم فقط لتأدية عملهم السامى، ولذلك قامت جريدة الطبيب بعمل تحقيق مع عدد من الأطباء المتطوعين لرصد تجاربهم من واقع معايشتهم للأحداث لحظة بلحظة من قلب الميدان، وفى البداية إلتقينا بدكتور(محمدأبو السعود معيد بقسم العظام بجامعة الأزهر) الذى يتواجد الأن
بالميدان تطوعاً.
د/محمد أبو السعود"الغاز المسيل للدموع "سى أر " القاتل الصامت" بميدان التحرير"
بدأ حديثه بالصعاب التى واجهتهم بالميدان وهى الغاز المسيل للدموع المستخدم حديثا،ً والذى يصفه دكتور أبو السعود بالقاتل الصامت، حيث أنه على المدى الطويل يسبب إرهاق غير طبيعى ويجعل الأطباء مجهدين جدا وغير قادرين على مواصلة العمل رغم الروح العالية التى يعمل بها الأطباء، بالإضافة الى مشكلة الزحام التى تعيق وصول الإغاثة للمتضررين والضحايا، وأضاف دكتور (أبو السعود) أن نقص الإمكانيات والأدوات الطبية تمثل مشكلة كبيرة تشل من عمليات الإنقاذ، ومن جانبه أكد أنهم كمواطنين وأطباء إستطاعوا أن يتغلبوا على بعض هذة المشاكل بكل ما يملكونه من قوة وذلك عن طريق توعية المواطنين بكيفية التعامل مع الغاز المسيل للدموع الجديد"سى أر" عن طريق شرب عصائر تحتوى على عنصر البوتاسيوم مثل عصير الجوافة، وإرتداء القناع الواقى، و يشيد دكتور( محمد أبو السعود) بدوراللجان الشعبية بالتنظيم وإبعاد المتطفلين والمتحرشين بالأطباء بالميدان، وأما مشكلة نقص الإمكانيات يقول أنه تم إرسال رسائل عبر الإنترنت ونداءت لتوفير المساعدات والأدوات الطبية اللازمة ونشرها بكل المواقع والحمد لله ألقت صدى بين المعنيين والمواطنين.
ويصف دكتور(محمد أبو السعود) ميدان التحرير من خلال رؤيته للأحداث عن قرب قائلاً " الميدان هو مصر بكل ما فيها " وينصح المتظاهرين طبياً بأن يتعاملوا بحذر شديد مع الغاز المسيل للدموع، وضرورة إستخدام الأقنعة وحامى العيون الواقى من الغازوالإكثار من تناول عصائر البرتقال والجوافة، ووضع أقراص فحم داخل الماسك وتوخى الحذر، وينصحهم إنسانياً بألا يلتفتوا للشائعات ويخلصون النية لله سبحانه وتعالى وأن يثبتوا على مواقفهم ويوحدوا مطالبهم فى بيان يصدره الميدان حتى يكون مفهوم للجميع لماذا هؤلاء يتظاهرون.
ويؤكد دكتور(محمد أبو السعود) أن مشكلة صعوبة الإغاثات والتقاعس فيها يرجع الى وزارة الصحة، لأن المشكلة أصبحت أكبر من قدرتها بسبب ضعف إمكانيات المستشفيات التى تم إستنزافها فى فترة الوزيرالسابق (حاتم الجبلى) الذى قام بإضعاف مستشفيات الحكومة لصالح المستشفيات الخاصة .
د/ إيهاب سعيد "ميدان التحرير أثبت أن مصر تعيش بداخلنا أكثر مما نعيش فيها"
وفى ظل الأحداث الدامية بالميدان إنتقلت جريدة الطبيب الى دكتور(إيهاب سعيد مدرس مساعد تخدير ورعاية مركزة بالقصر العينى) و قال" دور الأطباء فى كل الدنيا هو إنقاذ حياة الناس وتخفيف ألامهم وخاصة فى حالة الكوارث والأزمات، وميدان التحرير ومصر كلها كانت مسرحاً رهيباً للإصابات وإطلاق الرصاص والإعتداءات بكافة أنواعها، وأعتقد أن الله قد أعطانا من القوة والجلد ما يجعلنا نتعامل مع مايخرج عن نطاق إحتمالنا الإنسانى بقوة غريبة جداً لا نعرف لها حدود، وقد كان العبء على مستشفى القصر العينى كثيراً جداً ولا يوصف بإعتباره ملاذاً لكل مريض ومصاب.
ويصف دكتور(إيهاب سعيد) المشهد الحالى فى ميدان التحرير بأن حالات الإصابة بدأت تتوافد بغزارة من منتصف يوم السبت 20نوفمبر، وكان أغلبها إصابات نارية بالخرطوش والرصاص المطاطى والرصاص الحى، وبرغم أن عدد الحالات كان أقل مقارنة بيوم 25 يناير ويوم موقعة الجمل إلا أن الحالات المصابة حالياً أصعب وأسوء أكثر خطورة، بسبب حرفية ودقة المصوبين حيث أن معظم الطلقات النارية تطلق على الرأس والصدربمهارة عالية من قوات الامن، وتأخر وصول تلك الحالات للمستشفيات، مما أدى الى إرتفاع أعداد الشهداء، ويؤكد أن نوع الغازالمسيل للدموع هذة المرة كانت مفاجأة للمتظاهرين حيث أنه أسوء بكثير من الغاز الذى كان مستخدماً فى ثورة يناير، ويقول "إن الحديث عن عدم إستخدام الرصاص الحى هو أكاذيب من السهل جداً إثبات عدم صحتها، وأعتقد أن إستعدادنا كأطباء لمواجهة الطوارئ هذة المرة أكثر تنظيماً وسلاسة من أيام ثورة يناير، وترتب على هذا الإستعداد السريع تنظيم مجموعات العمل بشكل منظم وفتح أقصى طاقات الأماكن وغرف العمليات المجهزة للحالات الحرجة، ويشيد دكتور (إيهاب سعيد) بحضور المسئولين عن الطوارئ مبكراً وعلى رأسهم دكتور حسين خيرى عميد الكلية الذى كان له دور إيجابى ومؤثراً جدا فى اللحظات الأولى .
وتحدث دكتور (إيهاب سعيد) عن أكثر الحالات إصابة هى التى كان معظمها طلقات نارية بالرصاص الحى بالرأس وجميعها فى سن يتراوح بين ال17 وال25 سنة، وجميعهم توفى وهم فى طريقهم الى المستشفى، ومنهم من وصل الى المستشفى وهم على حافة الموت والبعض وصل بعد أن إستنفذ النزيف دمائه كلها، ويضيف قائلا" هذة المشاهد لم تمحى من ذاكرتنا كأطباء ومهما تكلمت عن قساوتها لن أبلغ وصفها " ، ويناشد دكتور (إيهاب سعيد) كل من هم فى ميدان التحرير بضرورة التوجه الى المستشفى فى حالة الإختناق الشديد من الغاز المسيل للدموع الذى يعد أكثر شراسة من الغاز الذى كان يستخدم مسبقاً، وذلك لخطورته الشديدة التى تؤدى الى الموت، ويؤكد أن الحالات التى تصل الى المستشفى يتم علاجها وإنقاذها بشكل كبير من أثار هذا الغاز.
كما أعرب عن شعوره تجاه تجربة الميدان قائلا" بأنها تجربة نادرة والميدان كان مصر التى نتمناها منبر لحرية الرأى وقبول الإختلاف ، مثالاً لشهامة المصريين وتعاونهم وتسامحهم، وحقاً من نزل الى الميدان يكتشف حقيقة معدن هذا الشعب الذى لا يظهر إلا فى الأزمات، ويكفى أن أقول إننى عندما بادرت وتوجهت الى التبرع بالدم وجدت طابوراً لا نهاية له من المتبرعين وبعضهم من العجائز والأطفال والجميع يتعاملون بأفضل مافيهم ولايبخلون بالتضحية من أجل وطنهم، وفجأة إكتشفنا أن مصر تعيش فينا أكثر مما نعيش فيها ".
ويتهم دكتور(إيهاب سعيد) وزارة الصحة بالتقصير فى مدى إستعدادية وجاهزية مستشفيات الوزارة لإستقبال الحالات وتقديم الخدمات الطبية، ويضيف أنه لا يعقل أبداً أن تحمل مستشفيات بعدد أصابع اليد الواحدة هذة المسؤلية وباقى المستشفيات على الهامش.
ومن جانبه أكد أنه بعد الإنتهاء من تأدية واجبه المهنى والوطنى فى مستشفى القصر العينى ويطمئن على المرضى والمصابين، سيتوجه الى ميدان التحرير لإستكمال دوره كطبيب ومواطن مصرى قائلاً " إننى متظاهر مثلهم يستفزنى ما يستفزهم ويغضبنى ما يغضبهم، ولا يمكن أن نلوم من يعبرون عن أرائهم بشكل سلمى ونطلب منهم الهدوء وهم يواجهون عنف همجى ليس له مبرر من أجهزة الأمن.
ويناشد دكتور(إيهاب سعيد مدرس مساعد تخدير وعناية مركزة بالقصر العينى) من خلال جريدة الطبيب كل من يطلق النار على أخيه المصرى وكل من يضرب ويصيب أن يتذكرأننا جميعاً مصيرنا الموت، وأننا سنكون بين يدى الله ليسألنا عما فعلنا، وعلى كل مسئول وصاحب قرار أن يتذكر أن مصر باقية والكل زائل، وأننا اليوم نكتب تاريخاً لمن سيأتى بعدنا، وأننا فى يوماً ما لن يبقى منا إلا ذكرى على ألسنة الناس وفى ذاكرتهم، ولابدأن نتعظ جميعاً من نهايات الظالمين التى تعد عبرة وعظة لمن تأخذه العزة بالإثم.
د/ أحمد عاطف " سماء الميدان مغطى بالدخان والهتافات ترج الميدان"
كما أفاد دكتور(أحمد عاطف أخصائى جراحة التجميل بمستشفى النيل ) أبرز المتطوعين بالميدان من خلال تواجده فى ميدان التحريرقائلاً" أن الميدان ليس إلا دخان كثيف متصاعداً إثر إطلاق القنابل المسيلة للدموع فى وسط الميدان والشباب يتساقطون قتلى أمام أعيننا و مهما رصدت وسائل الإعلام المشهد والصور لن يكون بحجم المأساة التى نراها الأن "، ويؤكد أن هناك ضحايا بأعداد كبيره جداً أكثر مما أظهرته وسائل الإعلام يختنقون بالغازالسام والمحرم دولياً، ويدمرالأعصاب ويسبب نزيف بالرئة وتكثرأعداد الإصابات بالرصاص المطاطى ورغم أن سماء الميدان مغطى بالدخان إلا أن الهتافات ترج ميدان التحرير" الشعب يريد إسقاط المشير ".
ويناشد دكتور أحمد عاطف المواطنون الشرفاء والأطباء النبلاء الذين لا يطمعون فى أى منصب ولا مصالح شخصية أن يتوافدوا الى ميدان التحرير، لتقديم المساعدات الطبية اللازمة من ألبان ومحلول ملح وفنتولين بخاخة وميكوجيل شراب وغيرها من المساعدات التى يتمكنون منها.
د/ محمد عطية " المصريون يقتلون والمجلس العسكرى هو المسئول"
وعندما توجهنا الى دكتور (محمد عطية مساعد طبى) ومتطوع بالميدان والذى ذكرلنا من خلال تجربته بالميدان أن التنظيم لحملات الإغاثة جاء بشكل عفوى من خلال تضافر جهود المواطنين مع الأطباء، وأضاف أن ما رأته عيناه اليوم بميدان التحرير خير دليل على عبقرية الشعب المصرى التى تظهر فى الأزمات والمواقف الصعبة، وقد أوضح أن أكثر المشاكل التى كانوا يعانون منها هى نقل المصابين من أماكن الخطروالإشتباكات لعلاجهم وإسعافهم، ونقص المساعدات الطبية، والتى تغلبوا عليها الأطباء بتجميع المال من المتظاهرين لشراء المساعدات الطبية، ويروى أن فى الأيام الأولى كان الإصابات التى قاموا بعلاجها معظمها من الرشق بالحجارة أما اليوم وأمس كانت بالرصاص المطاطى والحى والإختناق بالغازات المسيلة للدموع، ويضيف أن الأطباء بالمستشفى الميدانى قاموا بدورفعال.
ويصف دكتور( محمد عطية ) ميدان التحرير من خلال معايشته للأحداث طوال الأيام الماضية حتى الأن أن ما يحدث حالياً فى التحريرهويتلخص فى جمله واحده " المصريون يقتلون ويموتون والمجلس العسكرى هو المسئول"، وينصح المتظاهرين بعدم التجمع والتكتل بمكان أثناء الإشتباكات مع قوات الأمن وعليهم أن يخلقون من بينهم طريق لتسهيل مرورالأطباء ووصولهم الى الحالات المصابة، وأخيراً ينادى دكتور( محمد عطية ) المصريين الذين تم التضليل على أفكارهم وتم التشويش على رؤيتهم وبصيرتهم بالشائعات والتحريض ضد من هم بميدان التحرير ويقول لهم "لن يشعر ولن يفهم من فى الميدان إلا الذى نزل الميدان" .
وقد صرح اليوم أحد العاملين بالمستشفى الميدانى والذى رفض ذكر إسمه أن الوضع فى الميدان خارج عن السيطرة، وقوات الأمن تعبث بأرواح المدنيين العزل وكأنهم أكياس قمامة وخاصة بشارع محمد محمود والدخان يصل الى مقر المستشفى الميدانى بكمية كبيرة، ونحن كأطباء نعمل تحت ضغوط مكثفة، وندعو المواطنين بالتعاون مع الفرق الطبية لإنقاذ أكبرعدد ممكن من المصابين .